المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (48)

48- انظر كيف ذكر لك الأشباه فشبهوك بالمسحور ، والكاهن ، والشاعر ، فضَلُّوا بذلك عن منهاج الحجة فلا يستطيعون طريقاً إلى الطعن يمكن قبوله ، أو فضلوا بذلك عن الهدى فلا يجدون طريقاً إليه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (48)

وقوله - تعالى - : { انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } تسلية عظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وتثبيت له وللمؤمنين على الطريق الحق الذى هداهم الله - تعالى - إليه .

أى : انظر وتأمل - أيها الرسول الكريم - كيف أن هؤلاء المشركين . قد بلغ بهم الجحود والفجور ، أنهم مثلوا لك الأمثال ، فوصفوك تارة بأنك مسحور ، وتارة بأنك شاعر .

وهم فى وصفهم هذا ، قد ضلوا عن الحق ضلالا بعيدا ، وصاروا كالحيران الذى التبست عليه الطرق ، فأمسى لا يعرف السبيل الذى يسلكه .

هذا ، وقد ذكر الإِمام ابن كثير رحمة الله - عند تفسيره لهذه الآيات ، ما يدل على أن المشركين كانوا يستمعون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عند قراءته للقرآن .

فقال : قال محمد بن إسحاق فى السيرة : حدثنى محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى ، أنه حُدِّث أن أبا سفيان بن حرب ، وأبا جهل بن هشام ، والأخنس بن شريق . . خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بالليل فى بيته ، فأخذ كل واحد منهم مجلسا يستمع فيه ، وكل لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا . حتى إذا جمعتهم الطريق ، تلاوموا ، وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم فى نفسه شيئا ، ثم انصرفوا .

حتى إذا كانت الليلة التالية ، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا . حتى إذا جمعتهم الطريق ، قال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة ، ثم انصرفوا .

حتى إذا كانت الليلة الثالثة ، أخذ كل رجل منهم مجلسه . فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا .

فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب فى بيته ، فقال : أخبرنى يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو سفيان : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (48)

القول في تأويل قوله تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمْثَالَ فَضَلّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } .

يقول تعالى ذكره : انظر يا محمد بعين قلبك فاعتبر كيف مثّلوا لك الأمثال ، وشبهوا لك الأشباه ، بقولهم : هو مسحور ، وهو شاعر ، وهو مجنون فَضَلّوا يقول : فجاروا عن قصد السبيل بقيلهم ما قالوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً يقول : فلا يهتدون لطريق الحقّ لضلالهم عنه وبُعدهم منه ، وأن الله قد خذلهم عن إصابته ، فهم لا يقدرون على المَخْرَج مما هم فيه من كفرهم بتوفقّهم إلى الإيمان به ، كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً قال : مخرجا ، الوليد بن المغيرة وأصحابه أيضا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً مخرجا الوليد بن المغيرة وأصحابه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (48)

جملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ونظائرها كثيرة في القرآن .

والتعبير بفعل النظر إشارة إلى أنه بلغ من الوضوح أن يكون منظوراً .

والاستفهام ب ( كيف ) للتعجيب من حالة تمثيلهم للنبيء عليه الصلاة والسلام بالمسحور ونحوه .

وأصل ( ضرب ) وضع الشيء وتثبيته يقال : ضرب خيمة ، ويطلق على صوغ الشيء على حجم مخصوص ، يقال : ضرب دنانير ، وهو هنا مستعار للإبراز والبيان تشبيهاً للشيء المبرز المبين بالشيء المثبت . وتقدم عند قوله تعالى : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً } في [ البقرة : 26 ] .

واللام في { لك } للتعليل والأجْل ، أي ضربوا الأمثال لأجلك ، أي لأجل تمثيلك ، أي مثلوك . يقال : ضربت لك مثلاً بكذا . وأصله مثلتك بكذا ، أي أجِد كذا مثلاً لك ، قال تعالى : { فلا تضربوا لله الأمثال } [ النحل : 74 ] وقال : { واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية } [ يس : 13 ] أي اجعلهم مثلاً لحالهم .

وجمع { الأمثال } هنا ، وإن كان المحكي عنهم أنهم مثلوه بالمسحور ، وهو مثل واحد ، لأن المقصود التعجيب من هذا المثل ومن غيره فيما يصدر عنهم من قولهم : هو شاعر ، هو كاهن ، هو مجنون ، هو ساحر ، هو مسحور . وسميت أمثالاً باعتبار حالهم لأنهم تحيروا فيما يصفونه به للناس لئلا يعتقدوه نبيئاً ، فجعلوا يتطلبون أشبه الأحوال بحاله في خيالهم فيلحقونه به ، كمن يدرج فرداً غريباً في أشبه الأجناس به ، كمن يقول في الزرافة : إنها مِن الأفراس أو من الإبل أو من البقر .

وفُرع ضَلالُهم على ضرب أمثالهم لأن ما ضربوه من الأمثال كله باطل وضلال وقوة في الكفر . فالمراد تفريع ضلالهم الخاص ببطلان تلك الأمثال ، أي فظهر ضلالهم في ذلك كقوله : { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا } [ القمر : 9 ] .

ويجوز أن يراد بالضلال هنا أصل معناه ، وهو الحيرة في الطريق وعدم الاهتداء ، أي ضربوا لك أشباهاً كثيرة لأنهم تحيروا فيما يعتذرون به عن شأنك العظيم .

وتفريع { فلا يستطيعون سبيلاً } على { فضلوا } تفريع لتوغلهم في الحيرة على ضلالهم في ضرب تلك الأمثال .

والسبيل : الطريق ، واستطاعته استطاعة الظفر به ، فيجوز أن يراد بالسبيل سبيل الهدى على الوجه الأول في تفسير الضلال ، ويجوز أن يكون تمثيلاً لحال ضلالهم بحال الذي وقف في فيفاء لا يدري من أية جهة يسلك إلى المقصود ، على الوجه الثاني في تفسير الضلال .

والمعنى على هذا : أنهم تحيروا كيف يصفون حالك للناس لتوقعهم أن الناس يكذبونهم ، فلذلك جعلوا ينتقلون في وصفه من صفة إلى صفة لاستشعارهم أن ما يصفونه به باطل لا يطابقه الواقع .