تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{إِنَّا كَفَيۡنَٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ} (95)

ثم قال سبحانه : { إنا كفيناك المستهزءين } آية وذلك أن الوليد بن المغيرة المخزومي حين حضر الموسم ، قال : يا معشر قريش ، إن محمدا قد علا أمره في البلاد ، وما أرى الناس براجعين حتى يلقونه ، وهو رجل حلو الكلام ، إذا كلم الرجل ذهب بعقله ، وإني لا آمن أن يصدقه بعضهم ، فابعثوا رهطا من ذوي الحجى والرأي ، فليجلسوا على طريق مكة مسيرة ليلة أو ليلتين ، فمن سأل عن محمد ، فليقل بعضهم : إنه ساحر يفرق بين الاثنين ، ويقول بعضهم : إنه كاهن يخبر بما يكون في غد لئلا تروه خير من أن تروه ، فبعثوا في كل طريق بأربعة من قريش ، وأقام الوليد بن المغيرة بمكة ، فمن دخل مكة في غير طريق سالك يريد النبي صلى الله عليه وسلم تلقاهم الوليد ، فيقول : هو ساحر كذا ، ومن دخل من طريق لقيه الستة عشر ، فقالوا : هو شاعر ، وكذاب ، ومجنون .

ففعلوا ذلك ، وانصدع الناس عن قولهم ، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يرجو أن يلقاه الناس ، فيعرض عليهم أمره ، فمنعه هؤلاء المستهزءون من قريش ، ففرحت قريش حين تفرق الناس عن قولهم ، وقالوا : ما عند صاحبكم إلا غرورا ، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : هذا دأبنا ودأبك ، فذلك قوله سبحانه : { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين } [ النحل :24 ] .

وكان منهم من يقول : بئس وافد القوم أنا إن انصرفت قبل أن ألقي صاحبي ، فيدخل مكة فيلقي المؤمنين ، فيقول : ما هذا الأمر ؟ فيقولون : خيرا أنزل الله عز وجل كتابا ، وبعث رسولا ، فذلك قوله سبحانه : { ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } [ النحل :30 ] ، فنزل جبريل ، عليه السلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة ، فمر به الوليد بن المغيرة بن عبد الله ، فقال جبريل ، عليه السلام ، للنبي صلى الله عليه وسلم كيف : تجد هذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بئس عبد الله هذا" فأهوى جبريل بيده إلى فوق كعبه ، فقال : قد كفيتك .

فمر الوليد في حائط فيه نبل لبني المصطلق ، وهي حي من خزاعة يتبختر فيهما ، فتعلق السهم بردائه قبل أن يبلغ منزله ، فنفض السهم وهو يمشي برجله ، فأصاب السهم أكحله فقطعه ، فلما بات تلك الليلة انتفضت به جراحته ، ومر به العاص بن وائل ، فقال جبريل : كيف تجد هذا ؟ قال : "بئس عبد الله هذا" فأهوى جبريل بيده إلى باطن قدمه ، فقال : قد كفيتك ، وركب العاص حمارا من مكة يريد الطائف ، فاضطجع الحمار به على شبرقة ذات شوك ، فدخلت شوكة في باطن قدمه فانتفخت ، فقتله الله عز وجل تلك الليلة .

ومر به الحارث بن قيس بن عمرو بن ربيعة بن سهم ، فقال جبريل ، عليه السلام : كيف تجد هذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بئس عبد الله هذا" فأهوى جبريل ، عليه السلام ، إلى رأسه ، فانتفخ رأسه ، فمات منها ، ومر به السود بن عبد العزى بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ، فقال جبريل ، عليه السلام : كيف تجد هذا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بئس عبد الله هذا ، إلا أنه ابن خالي" فأهوى جبريل عليه السلام ، بيده إلى بطنه ، فقال قد كفيتك ، فعطش ، فلم يروا من الشراب حتى مات .

ومر الأسود بن عبد المطلب بن المنذر بن عبد العزى بن قصي ، فقال جبريل : كيف تجد هذا ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : "بئس عبد الله هذا" ، قال : قد كفيتك أمره ، ثم ضرب ضربة بحبل من تراب ، رمي في وجهه فعمي ، فمات منها ، وأما بعكك وأحرم ، فهما أخوان ابنا الحجاج بن السياق بن عبد الدار بن قصي ، فأما أحدهما فأخذته الدبيلة ، وأما الآخر ، فذات الجنب ، فماتا كلاهما ، فأنزل الله عز وجل : { إنا كفيناك المستهزئين } ، يعنى هؤلاء السبعة من قريش .