بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّا كَفَيۡنَٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ} (95)

ثم قال : { إِنَّا كفيناك المستهزءين } أي : أظهر أمرك ، فقد أهلك الله المستهزئين ، وهم خمسة رهط . فأهلكوا كلهم في يوم وليلة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الخروج إلى الموسم أيام الحج ، ليدعو الناس ، فمنعه المستهزئون ، وبعثوا على كل طريق رجلاً ، فإذا سألهم أحد من الغرباء عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : هو ساحر كاهن . ثم قالوا : هذا دأبنا كل سنة . فشقّ على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأهلكهم الله تعالى ، منهم الوليد بن المغيرة .

نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف تجد هذا ؟ فقال : « بِئْسَ الرَّجُلُ » . فقال : كفيناكه . فمضى وهو يتبختر في ردائه ، ويقال : ببردته ، فمر برجل يصنع السهام ، فتعلق سهم بردائه ، وأخذ طرف ردائه ليجعله على كتفه ، فأصاب السهم أكحله ، فنزف فمات . ومنهم العاص بن وائل السهمي ، مرّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عنه فقال : « بئس الرجل هو » . فقال : كفيناكه فوطىء على شوكة ؟ فتساقط لحمه عن عظامه ، حتى هلك ، ومنهم الحارث بن حنظلة ، أصاب ساقه شيء فانتفخ فمات . ومنهم أسود بن عبد يغوث ، أصابه العطش ، فجعل يشرب الماء حتى انتفخ بطنه فمات . ومنهم أسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد عزى ، ضربه جبريل بجناحه ، فمات . ويقال : خرج مع غلام له ، فأتاه جبريل عليه السلام وهو قاعد في أصل شجرة ، فجعل ينطح برأسه الشجرة ، ويضرب وجهه بالشوك ، فاستغاث بغلامه ، فقال غلامه : لا أرى أحداً يصنع بك شيئاً غير نفسك حتى مات ، وهو يقول : قتلني رب محمد وفي رواية الكلبي : أن أسود بن عبد يغوث ، خرج من أهله ، فأصابه السواد حتى عاد حبشياً ، فأتى أهله فلم يعرفوه ، وأغلقوا دونه الباب حتى مات . وروي في خبر آخر أن العاص بن وائل السهمي ، خرج في يوم مطير على راحلته مع ابنين له ؟ فنزل شعباً من الشعاب ، فلما وضع قدمه على الأرض ، لدغت رجله ، فطلبوا ، فلم يجدوا شيئاً ، فانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق بعير ، فمات مكانه وعن أبي بكر الهذلي أنه قال : قلت للزهري : إن سعيد بن جبير ، وعكرمة قد اختلفا في رجل من المستهزئين .

فقال سعيد : هو الحارث بن عيطلة . وقال عكرمة : هو الحارث بن قيس . فقال : صدقاً كانت أمه اسمها عيطلة ، وأبوه قيساً . ويقال : إنه أكل حوتاً مالحاً فأصابه عطش ، فلم يزل يشرب عليه الماء حتى أنفذ فمات ، وهو يقول : قتلني رب محمد فنزل { إِنَّا كفيناك المستهزءين }