لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{إِنَّا كَفَيۡنَٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ} (95)

وقوله تعالى إنا كفيناك المستهزئين يقول الله تعالى عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فاصدع بما أمرتك به ولا تخف أحداً غيري فإني أنا كافيك ، وحافظك ممن عاداك فإنا كفيناك المستهزئين وكانوا خمسة نفر من رؤساء كفار قريش ، كانوا يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وهم : الوليد بن المغيرة المخزومي وكان رأسهم ، والعاص بن وائل السهمي ، والأسود بن المطلب بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن زمعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه فقال : اللهم أعم بصره وأثكله بولده . والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ، والحارث بن قيس ابن الطلاطلة كذا ذكره البغوي . وقال ابن الجوزي : الحارث بن قيس ابن عيطلة وقال الزهري : عيطلة أمة وقيس أبوه فهو منسوب إلى أبيه وأمة قال المفسرون : أتى جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمستهزئون يطوفون بالبيت فقام جبريل ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمر به الوليد بن المغيرة فقال جبريل : يا محمد كيف تجد هذا قال بئس عبد الله فقال : قد كفيته وأومأ إلى ساق الوليد فمرّ الوليد برجل من خزاعة نبال بريش نبلاً له ، وعليه برد يماني وهو يجر إزاره فتعلقت شظية من النبل بإزار الوليد ، فمنعه الكبر أن يطأطئ رأسه فينزعها وجعلت تضربه في ساقه ، فخدشته فمرض فمات ، ومر بهما العاص بن وائل السهمي فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد ؟ فقال : بئس عبد الله ، فأشار جبريل إلى أخمص قدمه وقال : قد كفيته . فخرج العاص على راحلة يتنزه ، ومعه ابناه فنزل شعباً من تلك الشعاب فوطئ شبرقة فدخل منها شوكة في أخمص رجله ، فقال : لدغت لدغت فطلبوا فلم يجدوا شيئاً وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير ، فمات مكانه . ومر بهما الأسود بن المطلب فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد ؟ فقال : عبد سوء فأشار جبريل بيده إلى عينيه . وقال : قد كفيته فعمي . قال ابن عباس : رماه جبريل بورقة خضراء فألهب بصره ووجعت عينه فجعل يضرب برأسه الجدار ، حتى هلك وفي رواية الكلبي قال : أتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة ومعه غلام له وفي رواية فجعل ينطح رأسه في الشجرة ويضرب وجهه بالشوك فاستغاث بغلامه ، فقال له غلامه : ما أرى أحداً يصنع بك شيئاً غيرك فمات ، وهو يقول قتلني محمد ومر بهما الأسود ابن عبد يغوث فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد ؟ فقال : بئس عبد الله على أنه خالي . فقال جبريل : قد كفيته وأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات . وفي رواية الكلبي أنه خرج من أهله . فأصابه سموم فاسود وجهه حتى صار حبشياً ، فأتى أهله لم يعرفوه وأغلقوه دونه الباب فمات ، وهو يقول : قتلني رب محمد . ومر بهما الحارث بن قيس فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد ؟ فقال : عبد سوء فأومأ جبريل إلى رأسه . وقال قد كفيته فامتخط قيحاً فقلته . وقال ابن عباس : إنه أكل حوتاً مالحاً فأصابه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى أنقد بطنه فمات . فذلك قوله تعالى { إنا كفيناك المستهزئين } يعني بك وبالقرآن .