الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِنَّا كَفَيۡنَٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ} (95)

وأخرج أبو نعيم في الدلائل بسندين ضعيفين ، عن ابن عباس في قوله { إنا كفيناك المستهزئين } قال : قد سلطت عليهم جبريل وأمرته بقتلهم ، فعرض للوليد بن المغيرة فعثر به ، فعصره عن نصل في رجله حتى خرج رجيعه من أنفه . وعرض للأسود بن عبد العزى وهو يشرب ماء ، فنفخ في ذلك حتى انتفخ جوفه فانشق ، واعترض للعاص بن وائل وهو متوجه إلى الطائف ، فنخسه بِشَبْرُقَةٍ فجرى سمّها إلى رأسه ، وقتل الحارث بن قيس بلكزة ، فما زال يفوق حتى مات . وقتل الأسود بن عبد يغوث الزهري .

وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل وابن مردويه بسند حسن والضياء في المختارة ، عن ابن عباس في قوله { إنا كفيناك المستهزئين } قال : المستهزئون ، الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل ، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «أرني إياهم ، فأراه الوليد .

فأومأ جبريل إلى أكحله فقال : ما صنعت شيئاً . قال : كفيتكه . ثم أراه الأسود بن المطلب ، فأومأ إلى عينيه فقال : ما صنعت شيئاً . قال : كفيتكه ، ثم أراه الأسود بن عبد يغوث ، فأومأ إلى رأسه فقال : ما صنعت شيئاً . قال : كَفَيْتُكَهُ . ثم أراه الحرث ، فأومأ إلى بطنه فقال : ما صنعت شيئاً . فقال : كفيتكه . ثم أراه العاص بن وائل ، فأومأ إلى أخمصه فقال : ما صنعت شيئاً . فقال : كفيتكه . فأما الوليد ، فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها . وأما الأسود بن المطلب ، فنزل تحت سمرة فجعل يقول : بنيّ ، ألا تدفعون عني ؟ قد هلكت وَطُعِنْتُ بالشوك في عيني . فجعلوا يقولون : ما نرى شيئاً . فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه . وأما الأسود بن عبد يغوث ، فخرج في رأسه قروح فمات منها . وأما الحارث ، فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه . وأما العاص ، فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته » .

وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق جويبر ، عن الضحاك عن ابن عباس ، أن الوليد بن المغيرة قال : إن محمداً كاهن ، يخبر بما يكون قبل أن يكون وقال أبو جهل : محمد ساحر ؛ يفرق بين الأب والابن . وقال عقبة بن أبي معيط : محمد مجنون ، يهذي في جنونه . وقال أبي بن خلف : محمد كذاب . فأنزل الله { إنا كفيناك المستهزئين } فهلكوا قبل بدر .

وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن المستهزئين ثمانية : الوليد بن المغيرة ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث ، والعاص بن وائل ، والحارث بن عدي بن سهم ، وعبد العزى بن قصي ؛ وهو أبو زمعة ، وكلهم هلك قبل بدر بموت أو مرض . والحارث بن قيس من العياطل .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : { المستهزئين } منهم : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والحارث بن قيس ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث ، وأبو هبار بن الأسود .

وأخرج ابن مردويه عن علي { إنا كفيناك المستهزئين } قال : خمسة من قريش ، كانوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم الحارث بن عيطلة والعاص بن وائل والأسود بن عبد يغوث والوليد بن المغيرة .

وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن أنس قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على أناس بمكة ، فجعلوا يغمزون في قفاه ويقولون : هذا الذي يزعم أنه نبي ومعه جبريل . فغمز جبريل بأصبعه فوقع مثل الظفر في أجسادهم ، فصارت قروحاً نتنة . فلم يستطع أحد أن يدنو منهم . وأنزل الله { إنا كفيناك المستهزئين } .

وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، عن عكرمة قال : مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة ، منها أربع أو خمس يدعو إلى الإِسلام سراً وهو خائف ، حتى بعث الله على الرجال الذين أنزل فيهم { إنا كفيناك المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين } والعضين بلسان قريش ، والسحر .

وأمر بعدوانهم فقال : { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } ثم أمر بالخروج إلى المدينة فقدم في ثمان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول ، ثم كانت وقعة بدر . ففيهم أنزل الله { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } [ الأنفال : 7 ] وفيهم نزلت { سيهزم الجمع } [ القمر : 45 ] وفيهم نزلت { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } [ المؤمنون : 64 ] وفيهم نزلت { ليقطع طرفاً من الذين كفروا } [ آل عمران : 127 ] وفيهم نزلت { ليس لك من الأمر شيء } [ آل عمران : 128 ] أراد الله القوم وأراد رسول الله العير ، وفيهم نزلت { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً . . . } [ إبراهيم : 28 ] الآية . وفيهم نزلت { قد كان لكم آية في فئتين التقتا } [ آل عمران : 13 ] في شأن العير { والركب أسفل منكم } [ الأنفال : 42 ] أخذوا أسفل الوادي . فهذا كله في أهل بدر ، وكانت قبل بدر بشهرين سرية يوم قتل ابن الحضرمي ، ثم كانت أحد ، ثم يوم الأحزاب بعد أحد بسنتين ، ثم كانت الحديبية - وهو يوم الشجرة - فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على أن يعتمر في عام قابل في هذا الشهر . ففيها أنزلت { الشهر الحرام بالشهر الحرام } [ البقرة : 194 ] فشهر العام الأول بشهر العام فكانت { الحرمات قصاص } ثم كان الفتح بعد العمرة ، ففيها نزلت { حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد . . . } [ المؤمنون : 77 ] الآية . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم غزاهم ولم يكونوا أعدوا له أهبة القتال ، ولقد قتل من قريش يومئذ أربعة رهط من حلفائهم ، ومن بني بكر خمسين أو زيادة . وفيهم نزلت - لما دخلوا في دين الله { هو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار } [ المؤمنون : 78 ] ثم خرج إلى حنين بعد عشرين ليلة ، ثم إلى المدينة ، ثم أمر أبا بكر على الحج . ولما رجع أبو بكر من الحج ، غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك ، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم العام المقبل ، ثم ودع الناس ، ثم رجع فتوفي لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { إنا كفيناك المستهزئين } قال : هؤلاء فيما سمعنا خمسة رهط ، استهزأوا بالنبي صلى الله عليه وسلم . فلما أراد صاحب اليمن أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم ، أتاه الوليد بن المغيرة فزعم أن محمداً ساحر . وأتاه العاص بن وائل وأخبره أن محمداً يعلم أساطير الأولين ، فجاءه آخر فزعم أنه كاهن ، وجاءه آخر فزعم أنه شاعر ، وجاء آخر فزعم أنه مجنون فكفى الله محمداً أولئك الرهط في ليلة واحدة ، فأهلكهم بألوان من العذاب . . . كل رجل منهم أصابه عذاب . فأما الوليد ، فأتى على رجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له ، فمر به وهو يتبختر فأصابه منها سهم فقطع أكحله ، فأهلكه الله .

وأما العاص بن وائل ، فإنه دخل في شعب فنزل في حاجة له ، فخرجت إليه حية مثل العمود فلدغته فأهلكه الله : وأما الآخر ، فكان رجلاً أبيض حسن اللون ، خرج عشاء في تلك الليلة فأصابته سموم شديدة الحر ، فرجع إلى أهله وهو مثل حبشي ، فقالوا : لست بصاحبنا . فقال : أنا صاحبكم ! . . فقتلوه . وأما الآخر ، فدخل في بئر له فأتاه جبريل فعمه فيها ، فقال : إني قد قتلت فأعينوني : فقالوا : والله ما نرى أحداً . فكان كذلك حتى أهلكه الله . وأما الآخر ، فذهب إلى إبله ينظر فيها ، فأتاه جبريل بشوك القتاد فضربه ، فقال : أعينوني فإني قد هلكت . قالوا : والله ما نرى أحداً . فأهلكه الله فكان لهم في ذلك عبرة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : «جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنى ظهر الأسود بن عبد يغوث حتى احقوقف صدره . فقال : النبي صلى الله عليه وسلم خالي خالي فقال جبريل : دعه عنك فقد كفيته فهو من المستهزئين . قال : وكانوا يقولون سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزئون بها » .

وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن قتادة قال : هؤلاء رهط من قريش ، منهم الأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وعدي بن قيس .

وأخرج ابن جرير وأبو نعيم ، عن أبي بكر الهذلي قال : قيل للزهري إن سعيد بن جبير وعكرمة اختلفا في رجل من المستهزئين ، فقال سعيد : الحارث بن عيطلة وقال عكرمة : الحارث بن قيس . فقال : صدقا جميعاً . كانت أمه تسمى عيطلة ، وكان أبوه قيساً .

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وأبو نعيم ، عن الشعبي رضي الله عنه قال : المستهزئون سبعة ، فسمى منهم العاص بن وائل ، والوليد بن المغيرة ، وهبار بن الأسود ، وعبد يغوث بن وهب ، والحرث بن عيطلة .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم ، عن قتادة ومقسم مولى ابن عباس { إنا كفيناك المستهزئين } قال : هم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب ، مروا رجلاً رجلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل ، فإذا مر به رجل منهم قال له جبريل : كيف محمد هذا ؟ فيقول : بئس عبد الله ، فيقول جبريل : كَفَيْنَاكَهُ . فأما الوليد ، فتردّى فتعلق سهم بردائه ، فذهب يجلس فقطع أكحله فنزف حتى مات .

وأما الأسود بن عبد يغوث ، فأتى بغصن فيه شوك ، فضرب به وجهه فسالت حدقتاه على وجهه فمات . وأما العاص ، فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك .

وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس ، فأحدهما قام من الليل وهو ظمآن ليشرب من جرة ، فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات .

وأما الآخر ، فلدغته حية فمات .

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ( 97 ) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ( 98 ) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ( 99 )