قوله { كذلك نسلكه } السلك إدخال الشيء في الشيء كالخيط في المخيط . وقالت الأشاعرة : الضمير في { نسلكه } يجب عوده إلى أقرب المذكورات وهو الاستهزاء الدال عليه { يستهزءُون } وأما الضمير في قوله { لا يؤمنون به } فيعود إلى الذكر لأنه لو عاد إلى الاستهزاء وعدم الإيمان بالاستهزاء حق وصواب لم يتوجه اللوم على الكفار ، ولا يلزم من تعاقب الضمائر عودها على شيء واحد وإن كان الأحسن ذلك . والحاصل أن مقتضى الدليل عود الضمير إلى الأقرب إلا إذا منع مانع من اعتباره .
وقال بعض الأدباء منهم : قوله { لا يؤمنون به } تفسير للكناية في قوله { نسلكه } أي نجعل في قلوبهم أن لا يؤمنوا به فثبتت دلالة الآية على أن الكفر والضلال والاستهزاء ونحوها من الأفعال كلها بخلق الله وإيجاده . وقالت المعتزلة : الضميران يعودان إلى الذكر لأنه شبه هذا السلك بعمل آخر قبله وليس إلا تنزيل الذكر . والمعنى مثل ذلك الفعل نسلك الذكر في قلوب المجرمين . ومحل { لا يؤمنون به } نصب على الحال أي غير مؤمن به أو هو بيان لقوله { كذلك نسلكه } والحاصل أنا نلقيه في قلوبهم مكذباً مستهزأً به غير مقبول نظيره ما إذا أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها فقلت : كذلك أنزلها باللئام تعني مثل هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضية . واعترض بأن النون إنما يستعمله الواحد المتكلم إظهاراً للعظمة والجلال ومثل هذا التعظيم إنما يحسن ذكره إذا فعل فعلاً يظهر له أثر قويّ كامل ، أما إذا فعل بحيث يكون منازعه ومدافعه غالباً عليه فإنه يستقبح ذكره على سبيل التعظيم ، والأمر ههنا كذلك لأنه تعالى سلك استماع القرآن وتحفيظه وتعليمه في قلب الكافر لأجل أن يؤمن به ، ثم إنه لم يلتفت إليه ولم يؤمن به فصار فعل الله كالهدر الضائع وصار الشيطان كالغالب المدافع فكيف يحسن ذكر النون المشعر بالتعظيم في هذا المقام ؟ أما قوله { وقد خلت سنة الأولين } فقيل : أي طريقتهم التي بينها الله في إهلاكهم حين كذبوا برسلهم وبالذكر المنزل عليهم ، وهذا يناسب تفسير المعتزلة ، وفيه وعيد لأهل مكة على تكذيبهم . وقيل : قد مضت سنة الله في الأولين بأن يسلك الكفر والضلال في قلوبهم وهذا قول الزجاج ، ويناسب تفسير الأشاعرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.