اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَقَدۡ خَلَتۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (13)

والهاء في " بِهِ " يجوز عودها على ما تقدم من الثَّلاثة ، ويكون تأويلُ عودها على الاستهزاء والشرك ، أي : لا يؤمنون بسببه .

وقيل : للرسول -صلوات الله وسلامه عليه- وقيل : للقرآن .

وقال أبو البقاء{[19462]} : " ويجوز أن يكون حالاً ، أي : لا يؤمنون مستهزئين " كأنه جعل " بِهِ " متعلقاً بالحالِ المحذوفة قائمة مقامها .

وهو مردودٌ ، لأن الجارَّ إذا وقع حالاً أو نعتاً أو صلة أو خبراً ، تعلَّق بكون مطلق لا خاصِّ ، وكذا الظرف .

ومحل " لا يُؤمِنُونَ " النَّصب على الحالِ ، ويجوز ألاَّ يكون لها محلٌّ ؛ لأنها بيان لقوله : { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ } ، وقوله تعالى : { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين } استئنافٌ ، والسَّلكُ : الإدخال ، يقال : سَلكْتُ الخَيْطَ في الإبْرةِ ، والرُّمحَ في المَطْعُونِ ومنه { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } [ المدثر : 42 ] .

قال أبو عبيدة ، وأبو عبيد : يقال : سَلكْتهُ وأسْلَكتهُ ، أي : نظمته ، قال : [ الوافر ]

وكُنْتُ لِزازَ خَصْمكَ لَمْ أعَرِّدْ *** وقَدْ سَلكُوكَ في يَوْمٍ عَصِيبِ{[19463]}

وقال الآخر في " أسْلكَ " : [ البسيط ]

حتَّى إذَا أسْلَكُوهُمْ فِي قُتَائِدةٍ *** شَلاًّ كَمَا تَطْردُ الجَمَّالةُ الشُّردا{[19464]}

فصل في المعنى الإجمالي للآية

ق ل الزجاج : المعنى : قد مضت سنة الله في الأولين بأن سلك الكفر والضَّلال في قلوبهم .

وقيل : إنه تهديدٌ لكفار مكة ، أي : قد مضت سنة الله بإهلاك من كذب الرسل من القرون الماضية ، والأول أليق بظاهر اللفظ .


[19462]:ينظر: الإملاء 2/72.
[19463]:تقدم.
[19464]:البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي. ينظر: ديوان الهذليين 2/42، الإنصاف 2/461، الصاحبي 193، الخزانة 7/39، الهمع 1/27، الدرر 2/174، أمالي المرتضى 1/3، الجمهرة 2/9، ابن الشجري 1/358، المقتضب 1/23، الأزهية ص 203، 250 وشرح أشعار الهذليين 2/675، وشرح شواهد الإيضاح ص 431، والدر المصون 4/291.