غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰلَمِينَ} (90)

وقال الحسن : هم الأنبياء الذين تقدم ذكرهم واختاره الزجاج لقوله عقيب ذلك { أولئك الذين هدى الله } وقال أبو رجاء : يعني الملائكة وضعف بأن اسم القوم قلما يقع على غير بني آدم . وفي الآية دلالة على أنه تعالى سينصر نبيه ويظاهر دين الإسلام على كل الأديان وقد وقع ما وعد وكان إخباراً بالغيب فصح إعجاز القرآن . وفيها استدلال للأشاعرة على أنه تعالى خلق قوماً للإيمان ولو كان خلق الكل للإيمان والبيان والتمكين وفعل الألطاف مشتركاً بين الكل لم يصح هذا التخصيص . أجاب الكعبي بأنه زاد المؤمنين من الألطاف ما لا يحصيه إلا الله ، وبتقدير أن يستوي فإذا لم ينتفع به الكافر صح بحسب الظاهر أن يقال إنه لم يحصل له تلك الألطاف . ورد بأن الألطاف الداعية إلى الإيمان مشترك فيها بين الكافر والمؤمن ، وبأن الوالد لما سوّى بين الولدين في العطية ثم إن أحدهما ضيع نصيبه فأي عاقل يجوّز أن يقول أحد إن الأب ما أنعم عليه وما أعطاه شيئاً { فبهداهم اقتده } من حذف الهاء في الوصل فعلى الأصل ، ومن أثبتها في الوصل كما في الوقف أراد موافقة المصحف فإن الهاء ثابتة في الخط فكره مخالفة الخط في الحالين . وأما قراءة ابن عامر بكسر الهاء بغير إشباع فقال أبو بكر بن مجاهد : إنها غلط . وقال أبو علي الفارسي : ليست بغلط ووجهها أن يجعل الهاء كناية عن المصدر الدال عليه الفعل . والتقدير : فبهداهم اقتد الاقتداء . وتقديم المفعول للاختصاص أي لا تقتد إلا بهم . ولا خلاف في أنه أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بالأنبياء المذكورين . إنما الكلام في تفسير الهدى . فمن الناس من قال : المراد الذي أجمعوا عليه وهو القول بالتوحيد والتنزيه عن كل ما لا يليق به في الذات والصفات والأفعال . وقال آخرون : المراد به الاقتداء بهم في شرائعهم إلا ما خصه الدليل ، وعلى هذا فيلزمنا شرع من قبلنا ، وقيل : اللفظ مطلق فيحمل على الكل إلا ما خصه الدليل المفصل . وقال القاضي : هذا بعيد لأن شرائعهم مختلفة متناقضة ولا يمكن الإتيان بالأمور المتناقضة معاً ، ولأن الهدى عبارة عن الدليل دون نفس العمل ، ودليل إثبات شرعهم كان مخصوصاً بتلك الأوقات ، ولأن منصبهم يلزم أن يكون أجل من منصبه وأنه باطل بالإجماع ، وأجيب بأن العام يجب تخصيصه في الصورة المتناقضة فيبقى فيما عداها حجة ، وبأن المستدل بالدليل فصل في ذلك الحكم فلا معنى للاقتداء بالدليل إلا إذا كان فعل الأول سبباً لوجوب الفعل على الثاني ، وبأنه يلزم أن يكون منصبه أجل من منصبهم لأنه أمر باستجماع خصال الكمال وصفات الشرف التي كانت متفرقة فيها كالشكر في داود وسليمان ، والصبر في أيوب ، والزهد في زكريا ويحيى وعيسى ، والصدق في إسماعيل ، والتضرع في يونس ، والمعجزات الباهرة في موسى وهارون ، ولهذا قال «لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي » .

ولما أمره بالاقتداء بالأنبياء وكان من جملة هداهم أن لا يطلبوا الأجر أي المال والجعل في إيصال الدين وإبلاغ الشريعة قيل له : { قل لا أسألكم } أيها الأمة { عليه } على البلاغ { أجراً إن هو } يعني القرآن { إلا ذكرى للعالمين } يريد كونه مشتملاً على كل ما يحتاجون إليه في المعاش والمعاد . وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثاً إلى الناس كافة لا إلى قوم دون قوم .

/خ90