غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصۡنَامًا ءَالِهَةً إِنِّيٓ أَرَىٰكَ وَقَوۡمَكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (74)

74

التفسير : إنه سبحانه كثيراً ما يحتج على مشركي العرب بأحوال إبراهيم صلوات الرحمن عليه لأنه يعرف بالفضل والتقدم عند جميع الطوائف ، وذلك أنه سلم قلبه للرحمن ولسانه للبرهان وبدنه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان . ثم إن بظاهر الآية يدل على أن اسم والد إبراهيم هو آزر ، ومنهم من قال : اسمه تارح . قال الزجاج : لا خلاف بين النسابين أن اسمه تارح ، فمن الملحدة من طعن في هذا النسب لهذا السبب . والجواب أن إجماع النسابة لا عبرة به لأن ذلك ينتهي إلى قول الواحد أو الاثنين - مثل وهب وكعب - أو غيرهما . سلمنا أن اسمه كان «تارح » لكنه من المحتمل أن يكون أحدهما لقباً والآخر اسماً أصلياً ، أو يكون آزر صفة مخصوصة في لغتهم كالمخطئ والمخذول . وقيل : إن آزر هو الشيخ الهرم بالخوارزمية وهذا عند من يجوز اشتمال القرآن على ألفاظ قليلة من غير لغة العرب . وقيل : إن آزر اسم صنم يجوز أن ينبز به للزومه عبادته ، فإن من بالغ في محبة واحد فقد يجعل اسم المحبوب اسماً للمحب قال تعالى { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } [ الإسراء : 71 ] وقال الشاعر :

أدعى بأسماء نبزاً في قبائلها *** كأن أسماء أضحت بعض أسمائي .

أو أريد عابد آزر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل : إن والد إبراهيم كان تارح وكان آزر عماً له والعم قد يطلق عليه اسم الأب بدليل قوله

{ نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق } [ البقرة : 133 ] ومعلوم أن إسماعيل كان عماً ليعقوب . ومما يدل على صحة ظاهر الآية أن اليهود والنصارى والمشركين كانوا حراصاً متهالكين على تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وإظهار نقصه ، فلو كان النسب كذباً لامتنع في العادة سكوتهم عن تكذبيه ، وحيث لم يكذبوه علمنا أن النسب صحيح ، قالت المعتزلة ومن يجري مجراهم : إن أحداً من آباء الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان كافراً وفسروا قوله { وتقلبك في الساجدين } [ الشعراء : 219 ] بانتقاله من ساجد إلى ساجد وأكدوه بما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «لم أزل أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات » وإن آزر كان عم إبراهيم وما كان والداً له لأن إبراهيم شافهه بالغلظة والجفاء في قوله : { إني أراك وقومك في ضلال مبين } وقد قال تعالى { ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما } [ الإسراء : 23 ] ولأنه ناداه بالاسم في قراءة من قرأ «آزر » بالضم . والنداء بالاسم دليل الاستخفاف ولهذا لم يقرأ بالضم في قوله { وقال موسى لأخيه هارون اخلفني } [ الأعراف : 142 ] وأجيب بأن قوله { وتقلبك في الساجدين } [ الشعراء : 219 ] يحتمل وجوهاً أخرى سوف يجيء ذكرها ، وبأن قوله «لم أزل أنتقل » محمول على أنه لم يقع في نسبه ما كان سفاحاً . والتغليظ من إبراهيم إنما كان لأجل إصرار أبيه على الكفر كما قال

{ فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } [ التوبة : 114 ] لا لأجل السفه والجفاء لقوله

{ إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب } [ هود : 75 ] ثم إن إبراهيم احتج على فساد اعتقاد عبدة الأصنام بقوله منكراً على آزر وقومه { أتتخذ أصناماً آلهة } أي معبودين . وذلك أن الأصنام لو كان لها قدرة على الخير والشر لكان الصنم الواحد كافياً فلما لم يكن الواحد كافياً دل ذلك على عجزها وإن كثرت ، واحتج بعضهم بالآية على وجوب معرفة الله تعالى ، وعلى أن وجوب الاشتغال بشكره معلوم بالعقل لا بالسمع لأن إبراهيم حكم عليهم بالضلال من حيث النظر والاستدلال ، وأجيب بأنه لعله عرف ضلالهم بحكم شرع الأنبياء المتقدمين عليه .

/خ83