محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

16- سورة النحل

سميت بها لاشتمالها على قوله تعالى{[1]} : { وأوحى ربك إلى النحل } المشير إلى أنه لا يبعد أن يلهم الله عز وجل بعض خواص عباده ، أن يستخرجوا الفوائد الحلوة الشافية من هذا الكتاب . بحمل كلماته على مواضع الشرف ، وعلى المعاني المثمرة ، وعلى التصرفات العالية : مع تحصيل الأخلاق الفاضلة وسلوك سبيل التصفية والتزكية . وهذا أكمل ما يعرف به فضائل القرآن ويدرك به مقاصده . قاله المهايمي .

وقال بعضهم : تسمية السورة بذلك تسمية بالأمر المهم . ليتفطن الغرض الذي يرمي إليه ، ك ( الجمعة ) لأهمية الاجتماع الأسبوعي وما ينجم عنه من مصالح الأمور العامة والحديد لمنافعه العظيمة . و ( النحل ) ، و ( العنكبوت ) ، و ( النمل ) ، للتفطن لصغار الحيوانات الحكيمة الصنائع . وهكذا ، وسيأتي طرف من حكمة النحل وأسراره عند آيته في هذه السورة .

وهي مكية . واستثنى ابن عباس آخرها . وعن الشعبي إلا قوله تعالى{[2]} : { وإن عاقبتم } الآيات وعن الشعبي : إلا قوله تعالى{[3]} : { والذين هاجروا في الله } الآيات . وآياتها مائة وثمان وعشرون .

وعن قتادة : تسمى سورة النعم ، وذلك لما عدد الله فيها من النعم على عباده .

بسم الله الرحمن الرحيم

[ 1 ] { أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون 1 } .

{ أتى أمر الله فلا تستعجلوه ، سبحانه وتعالى عما يشركون } تقرر في غير ما آية ، أن المشركين كانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام الساعة أو إهلاكهم . كما فعل يوم بدر ، استهزاء وتكذيبا بالوعد . فقيل لهم { أتى أمر الله } أي ما توعدونه مما ذكر . والتعبير عنه ب { أمر الله } للتفخيم والتهويل . وللإيذان بأن تحققه في نفسه وإتيانه منوط بحكمه النافذ وقضائه الغالب . وإتيانه عبارة عن دنوه واقترابه ، على طريقة نظم المتوقع في سلك الواقع . أو عن إتيان مباديه القريبة ، على نهج إسناد حال الأسباب إلى المسببات .

والآية كقوله تعالى{[5215]} : { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون } وقوله{[5216]} : { اقتربت الساعة وانشق القمر } وقوله{[5217]} : { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب . وليأتينّهم بغتة وهم لا يشعرون } ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره ، وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد ، الذي أفضى بهم إلى الاستهزاء والعناد ، واعتقاداتها شفعاؤهم إذا جاء الميعاد .


[1]:(4 النساء 15 و 16).
[2]:(24 النور 2).
[3]:(2 البقرة 282).
[5215]:[21 / الأنبياء / 1].
[5216]:[54 / القمر / 1].
[5217]:[29 / العنكبوت / 53].