محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَٰلَ كَمۡ لَبِثۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ عَدَدَ سِنِينَ} (112)

{ قَالَ } أي الله أو الملك المأمور بسؤالهم { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ }{ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ، لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي شيئا ما . أو لو كنتم من أهل العلم . والجواب محذوف ، ثقة بدلالة ما سبق ، عليه أن لعلمتم يومئذ قلة لبثكم فيها ، كما علمتم اليوم . ولعملتم بموجبه ولم تخلدوا إليها .

قال الرازي : الغرض من هذا السؤال التبكيت والتوبيخ ، فقد كانوا ينكرون اللبث في الآخرة أصلا ، ولا يعدون اللبث إلا في دار الدنيا . ويظنون أن بعد الموت يدوم الفناء ، ولا إعادة . فلما حصلوا في النار وأيقنوا أنها دائمة وهم فيها خالدون ، سألهم : كيف لبثتم في الأرض ؟ تنبيها لهم على أن ما ظنوه دائما طويلا ، فهو يسير ، بالإضافة إلى ما أنكروه . فحينئذ تحصل لهم الحسرة على ما كانوا يعتقدونه في الدنيا . من حيث أيقنوا خلافه . فليس الغرض مجرد السؤال ، بل ما ذكر .

قال الزمخشري : استقصروا مدة لبثهم في الدنيا ، بالإضافة إلى خلودهم ، ولما هم فيه من عذابها . لأن الممتحن يستطيل أيام محنته ، ويستقصر ما مر عليه من أيام الدعة إليها . أو لأنهم كانوا في سرور . وأيام السرور قصار . أو لأن المنقضي في حكم ما لم يكن . وصدقهم الله في تقالهم لسني لبثهم في الدنيا ، ووبخهم على غفلتهم التي كانوا عليها . وقرئ { فسل العادين } والمعنى : لا نعرف من عدد تلك السنين ، إلا أنا نستقله ونحسبه يوما أو بعض يوم . لما نحن فيه من العذاب ، وما فينا أن نعدها ، فسل من فيه أن يعد ، ويقدر أن يلقي إليه فكره . وقيل : فسل الملائكة الذين يعدون أعمار العباد ويحصون أعمالهم . انتهى .