اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَٰلَ كَمۡ لَبِثۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ عَدَدَ سِنِينَ} (112)

قوله تعالى{[33494]} : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ } قرأ الأخوان : { قُلْ كَمْ لَبِثْتُمْ } { قُلْ إِنْ لَبِثْتُمْ } بالأمر في الموضعين وابن كثير كالأخوين في الأوَّل فقط . والباقون : «قَالَ » في الموضعَين{[33495]} على الإخبار عن الله أو الملك . والفعلان مرسومان بغير ألف في مصاحف الكوفة ، وبألف في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة{[33496]} . فحمزة والكسائي وَافَقَا مصاحف الكوفة ، وخالفها عاصم أو وافقها على تقدير حذف الألف من الرسم وإرادتها . وابن كثير وافق في الثاني مصاحف مكة ، وفي الأَوّل غيرها ، أو إيّاها على تقدير حذف الألف وإرادتها . وأمّا الباقون فوافقُوا مصاحفهم في الأوّل والثاني . فَعَلَى الأمر معنى الآية : قُولُوا أَيُّها الكَافِرُونَ ، فأخرج الكلام مخرج الواحد ، والمراد منه الجماعة إذ كان معناه مفهوماً . ويجوز أن يكون الخطاب لكل واحد منهم ، أي : قل{[33497]} أيها الكافرون{[33498]} . وأمّا على الخبر أي قال الله - عزَّ وجلَّ - {[33499]} للكفار يوم البعث { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض }{[33500]} أي : في الدنيا أو في القبور . و ( كَمْ ) في موضع نصب على ظرف الزمان ، أي : كم سنة ، و «عَدَد » بدل من «كَمْ » قاله أبو البقاء{[33501]} ، وقال غيره : «عَدَدَ سَنِينَ » تمييز ل «كَمْ »{[33502]} وهذا هو الصحيح . وقرأ الأعمش والمفضّل عن عاصم : «عَدَداً » منوناً{[33503]} ، وفيه أوجه {[33504]} :

أحدها : أن يكون عدداً مصدراً أقيم مقام الاسم فهو نعت مقدّم على المنعوت قاله صاحب اللوامح{[33505]} . يعني : أنَّ الأصل سنين عدداً . أي : معدودة ، لكنّه يلزم تقديم النعت على المنعوت ، فصوابُه أن يقول فانتُصب حالاً{[33506]} هذا مذهب البصريين .

والثاني : أن «لَبِثْتُم » بمعنى : عددتم ، فيكون نصب «عَدَداً » على المصدر و «سَنِينَ » بدل منه . قاله{[33507]} صاحب اللوامح{[33508]} أيضاً . وفيه بُعْد لعدم دلالة اللبث على العدد .

والثالث : أنَّ «عَدَداً » تمييز ل «كَمْ » و «سِنِينَ » بدل منه{[33509]} .

فصل

الغرض{[33510]} من هذا السؤال التبكيت والتوبيخ ، لأنّهم كانُوا ينكرون لبثاً في الآخرة أصلاً ، ولا يُعدون اللبث إلاّ في دار الدنيا ، ويظنون أنَّ بعد الموت يدوم الفناء ولا إعادة . فلمّا حصلوا في النار ، وأيقنوا دوامها ، وخلودهم فيها سألهم { كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض } مُنبِّهاً لهم على ما ظَنُّوه دائماً طويلاً ، وهو يسير بالإضافة إلى ما أنكروه ، فحينئذٍ تحصل لهم الحسرة على ما كانوا يعتقدونه في الدنيا ، حيث تيقّنوا خلافه ، وهذا هو الغرض من السؤال


[33494]:تعالى: سقط من ب.
[33495]:السبعة (449)، الحجة لابن خالويه (259)، الكشف 2/132، النشر 2/330، الإتحاف 321.
[33496]:انظر الكشاف 3/57، تفسير ابن عطية 10/409.
[33497]:في ب: قل يا.
[33498]:الكشاف 3/57، التبيان 2/961.
[33499]:في ب: تعالى.
[33500]:انظر الكشاف 3/57، التبيان 2/961.
[33501]:قال أبو البقاء: (و"كم": ظرف لـ "لبثتم" أي: كم سنة أو نحوها، و "عدد" بدل من "كم" التبيان 2/961.
[33502]:قال ابن عطية: (و"عدد" نصب بـ "كم" على التمييز) تفسير ابن عطية 10/409، وقال ابن الأنباري: "كم" منصوبة الموضع بـ (لبثتم) و "عدد سنين" منصوب على التمييز. البيان 2/189. وانظر البحر المحيط 6/424.
[33503]:البحر المحيط 6/424.
[33504]:في ب: وجه. وهو تحريف.
[33505]:انظر البحر المحيط 6/424.
[33506]:وذلك لامتناع جواز تقديم الصفة على الموصوف. لأن الصفة تجري مجرى الصلة في الإيضاح فلا يجوز تقديمها على الموصوف كما لا يجوز تقديم الصلة على الموصول، وإذا لم يجز تقديمها صفة عدل إلى الحال. شرح المفصل 2/63 – 64.
[33507]:في النسختين: قال. والصواب ما أثبته.
[33508]:انظر البحر المحيط 6/1424.
[33509]:انظر التبيان 2/961 – 962.
[33510]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/127.