مستخلفين فيه : خلفاء عنه ووكلاء بالتصرف .
هذه السورةُ من السوَر المدنية كما قدّمنا ، وهي تعالج بناء دولة وأمة . وهنا تعالج حالةً واقعة في ذلك المجتمع الإسلامي الجديد ، فيظهر من سياق الحثِّ على البذْل والإيمان أنه كان في المدينة ، إلى جانبِ السابقين من المهاجِرين والأنصار ، فئةٌ من المؤمنين حديثةُ عهدٍ بالإسلام ، لم يتمكن الإيمان في قلوبهم ، ولهم صِلاتُ قرابةٍ ونَسَبٍ مع طائفة المنافقين التي نبتت بعد الهجرة وكانت تكيدُ للإسلام والمسلمين . وكانت هذه المكائد تؤثّر في بعض المسلمين الذين
لم يُدركوا حقيقةَ الإيمان فأنزل الله تعالى هذه الآية والآياتِ التي بعدها يثبّت بها قلوبَ المؤمنين ويحثّهم على البذل والعطاء . فهي تقول :
آمِنوا باللهِ حقَّ الإيمان الصادق ، وأنفِقوا في سبيل الله من المال الذي جعلكم خلفاءَ في التصرّف فيه .
ثم تبين السورة ما أعدّ الله للذين آمنوا وأنفقوا من أجرٍ كبير : { فالذين آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } .
ولما قامت الأدلة على تنزيهه سبحانه عن شائبة كل نقص ، وإحاطته بكل صفة كمال ، المقتضي لثبوت أن الملك له ، الموجب قطعاً لتفرده بعموم الإلهية ، المقتضي لإرسال من يريده إلى جميع من في ملكه ، وختم بالعلم بالضمائر التي أجلها الإيمان ، قال آمراً بالإذعان له ولرسوله صلى الله عليه وسلم : { آمنوا } أي أيها الثقلان { بالله } أي الملك الأعظم الذي لا مثل له { ورسوله } الذي عظمته من عظمته . ولما كان الإيمان أساساً ، والإنفاق{[62391]} وجهاً ظاهراً ورأساً ، قال جامعاً بين الأساس الحامل الخفي والوجه الظاهر الكامل البهي : { وأنفقوا } أي في إظهار دينه : ورغبهم في ذلك بطلب اليسير مما أعطاهم الله{[62392]} وزهدهم منه بقوله : { مما جعلكم } أي بقدرته { مستخلفين } أي مطلوباً موجوداً خلافتكم { فيه } وهو له دونكم بما يرضي من استخلفكم في تمهيد سبيله فطيبوا بها نفساً لأنها ليست في الحقيقة لكم وإنما أنتم خزان ، وخافوا من عزلكم من الخلافة بانتزاعها من أيديكم بتولية غيركم أمرها ، إما في حياتكم ، وإما بعد مماتكم ، كما فعل بغيركم حين أوصل إليكم ما وصل من أموالهم ، " فليس لكم منها إلا ما أكلتم فأفنيتم أو لبستم فأبليتم أو تصدقتم فأبقيتم - وفي رواية : فأمضيتم "
وليهن الإنفاق منها عليكم كما يهون على الإنسان النفقة من مال غيره إذا كان أذن له فيه .
ولما أمر بالإنفاق ووصفه بما سهله ، سبب عنه ما يرغب فيه فقال مبالغاً في تأكيد الوعد لما في ارتكابه من العسر بالتعبير عنه بالجملة الاسمية وبناء الحكم{[62393]} على الضمير بالوصف بالكبير وغير ذلك : { فالذين آمنوا } وبين أن هذا خاص بهم لضيق الحال في زمانهم فقال : { منكم وأنفقوا } أي من أموالهم في الوجوه التي ندب إليها على وجه الإصلاح كما دل عليه التعبير بالإنفاق { لهم أجر كبير * } أي لا تبلغ عقولكم حقيقة كبره فاغتنموا الإنفاق في أيام استخلافكم قبل عزلكم وإتلافكم .
{ آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير }
{ آمنوا } داوموا على الإيمان { بالله ورسوله وأنفقوا } في سبيل الله { مما جعلكم مستخلفين فيه } من مال من تقدمكم وسيخلفكم فيه من بعدكم ، نزل في غزوة العسرة وهي غزوة تبوك { فالذين آمنوا منكم وأنفقوا } إشارة إلى عثمان رضي الله عنه { لهم أجر كبير } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.