السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ} (7)

ولما قامت الأدلة على تنزيهه سبحانه قال تعالى آمراً بالإذعان له ولرسوله صلى الله عليه وسلم : { آمنوا } أي : أيها الثقلان { بالله } أي : الملك الأعظم الذي لا مثل له { ورسوله } الذي عظمته من عظمته ، ونزل في غزوة العسرة وهي غزوة تبوك { وأنفقوا } أي : في سبيل الله { مما جعلكم مستخلفين فيه } أي : من الأموال التي في أيديكم فإنها أموال الله تعالى لأنها بخلقه وإنشائه لها ، وإنما موّلكم إياها وخولكم بالاستمتاع بها وجعلكم خلفاء في التصرّف فيها فليست هي بأموالكم في الحقيقة وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب ، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى وليهن عليكم الإنفاق منها كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه ، أو جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم فيما في أيديكم بتوريثه إياكم فاعتبروا بحالهم حيث انتقل منهم إليكم وسينقل منكم إلى من بعدكم ، فلا تبخلوا به وانفعوا بالإنفاق منها أنفسكم .

ولما أمر تعالى بالإنفاق ووصفه بما سهله سبب عنه ما يرغب فيه فقال تعالى : { فالذين آمنوا منكم وأنفقوا } من أموالهم في الوجوه التي ندب إليها على وجه الإصلاح على ما دلّ عليه التعبير بالإنفاق { لهم أجر كبير } أي : لا تبلغ عقولكم حقيقة كبره فاغتنموا الإنفاق في أيام استخلافكم قبل عزلكم وإتلافكم ، وخصهم بالذكر بقوله تعالى : { منكم } لضيق في زمانهم ، وقيل : إنّ ذلك إشارة إلى عثمان فإنه جهز جيش العسرة .