فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ} (7)

{ آمنوا بالله ورسوله } أي صدقوا بالتوحيد ، وصحة الرسالة ، وهذا خطاب لكفار العرب أو للجميع ، ويكون المراد بالأمر بالإيمان في حق المسلمين الاستمرار عليه أو الازدياد عليه ، ثم لما أمرهم بالإيمان أمرهم بالإنفاق في سبيل الله فقال : { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } أي جعلكم خلفاء في التصرف فيه ، من غير أن تملكوه حقيقة ، فإن المال مال الله ، والعباد خلفاء الله في أمواله ، فعليهم أن يصرفوها فيما يرضيه ، وقيل : جعلكم خلفاء من كان قبلكم ممن ترثونه ، وسينتقل إلى غيركم ممن يرثكم ، فلا تبخلوا به ، كذا قال الحسن وغيره ، وفيه الترغيب إلى الإنفاق في سبيل الخير وتهوين له على النفس قبل أن ينتقل عنهم ، ويصير إلى غيرهم .

والظاهر أن معنى الآية الترغيب في الإنفاق في الخير وما يرضاه الله على العموم ، وقيل هو خاص بالزكاة المفروضة ، ولا وجه لهذا التخصيص ، قال المحلي : نزل في غزوة العسرة ، وهي غزوة تبوك ، ويشكل هذا على القول بأن السورة مكية ، وكذا على القول بأنها مدنية على استثناء هذه الآيات ، وكانت في السنة التاسعة بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف ، وهي آخر غزواته ، ولم يقع فيها قتال ، بل وقع الصلح على دفع الجزية ، وإيضاح هذه القصة مذكور في سورة براءة فراجعها إن شئت .

ثم ذكر سبحانه ثواب من أنفق في سبيل الله فقال : { فالذين آمنوا منكم وأنفقوا } أي : الذين جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله ، وبين الإنفاق في سبيل الله ، وفيه إشارة إلى عثمان رضي الله تعالى عنه ، فإنه جهز في غزوة العسرة ثلثمائة بعير ، بأقتابها وأحلاسها وأحمالها ، وجاء بألف دينار ووضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم { لهم أجر كبير } وهو الجنة .