تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ} (86)

ثم تختم السورة بهذه الآيات الكريمة ، قل يا محمد لأمتك : ما أسألكم على تبليغ ما يوحى إلي أجرا وما أنا من الذين يتصنعون ويتكلفون حتى أدّعي النبوة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ} (86)

قوله تعالى : " قل ما أسألكم عليه من أجر " أي من جعل على تبليغ الوحي وكنى به عن غير مذكور . وقيل هو راجع إلى قوله : " أأنزل عليه الذكر من بيننا " [ ص : 8 ] . " وما أنا من المتكلفين " أي لا أتكلف ولا أتخرص ما لم أومر به . وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : من سئل عما لم يعلم فليقل لا أعلم ولا يتكلف ، فإن قوله : لا أعلم علم ، وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : " قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين " . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم ) . وروى الدارقطني من حديث نافع عن ابن عمر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فسار ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له ، فقال له عمر : يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف ، لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور ) . وفي الموطأ عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا ، فقال عمرو بن العاص : يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع ؟ فقال عمر : يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا . وقد مضى القول في المياه في سورة " الفرقان " .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ} (86)

ولما تم ما أراد من الدليل على أن ما ذكره لهم نبأ عظيم هم عنه معرضون بما أخبر به من الغيب مع ما له من الإعجاز ، فثبت بذلك ما اقتضى أنه صادق في نسبته إلى الله تعالى ، وختم بالتحذير من اتباع إبليس ، أمره بالبراءة من طريقه وأن ينفي عن نفسه ما قد يحمل على التقول بقوله : { قل } أي لأمتك : { ما أسئلكم } سؤالاً مستعلياً ، وعلق به لا " بأجر " قوله : { عليه } أي على التبليغ والإنذار مما أنتم متعرضون له من الهلاك بالإعراض ، فأداة الاستعلاء للاحتراز عن سؤال المودة في القربى وحسن الاتباع فإنهما مسؤولان وهما روح الدين ، ولكن سؤالهما ليس مستعلياً على الإبلاغ بحيث إنهما لو انتفيا انتفى ، وأعرق في النفي بقوله : { من أجر } أي فيكون لكم في الرد شبهة { وما أنا من المتكلفين * } أي المتحلين بما ليسوا من أهله من قول ولا فعل ، الذين يكلفون أنفسهم تزوير الكلام والتصنع فيه وترتيبه على طريق من الطرق بنظم أو نثر سجع أو خطب أو غير ذلك ، أو وضع أنفسهم في غير مواضعها ، كما فعل إبليس ، لست منهم بسبيل ولا أعد في عدادهم بوجه ، لا أفعل أفعالهم ولا أحبهم ولا أتعصب لهم ، فهو أبلغ من " وما أنا متكلفاً " قد عرفتموني طول عمري كذلك ، ومن المعلوم أن ذلك لو كان في غريزتي لما كففت عنه طول زماني النمو من الصبي والشباب اللذين توجد فيهما الغرائز ولا توجد بعدهما ، فإذا ثبت أن ذلك لم يكن لي إذ ذاك ثبت أنه متعذر بعده ، لما تقرر من أنه لا توجد غريزة بعد الوقوف عن النمو في سن الثلاث والأربعين ، فإذا علم أني لست كذلك علم أني مأمور بما أنا فيه من القول والفعل ، فأنا من المكلفين لا المتكلفين ، فكل من قال أو فعل ما لم يؤمر به فهو متكلف ، وروى الثعلبي بسنده من حديث سلمة بن نفيل رضي الله عنه مرفوعاً والبيهقي في الشعب من قول علي بن أرطاة وأبو نعيم في الحلية من قول وهب : علامة المتكلف ثلاث : ينازع من فوقه ، ويتعاطى ما لا ينال ، ويقول ما لا يعلم .