فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ} (86)

ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يخبرهم بأنه إنما يريد بالدعوة إلى الله امتثال أمره ، لا عرض الدنيا الزائل فقال : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } الضمير في عليه راجع إلى تبليغ الوحي ولم يتقدم له ذكر ولكنه مفهوم من السياق ، وقيل هو عائد إلى ما تقدم من قوله { أأنزل عليه الذكر بيننا } وقيل : الضمير راجع إلى القرآن ، وقيل إلى الدعاء إلى الله على العموم ، فيشمل القرآن وغيره من الوحي ، ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمعنى ما أطلب منكم من جعل تعطونيه عليه قال ابن عباس قل يا محمد : ما أسألكم على ما أدعوكم إليه من أجر عرض دنيا .

{ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } أي من المتصنعين بما ليسوا من أهله حتى انتحل النبوة وأتقول القرآن من تلقاء نفسي وأقول ما لا أعلم أو أدعوكم إلى غير ما أمرني الله بالدعوة إليه ، والتكلف التصنع .

وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن مسروق قال : بينما رجل يحدث في المسجد فقال فيما يقول { يوم تأتي السماء بدخان مبين } قال : دخان يكون يوم القيامة يأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام ، قال قمنا حتى دخلنا على عبد الله وهو في بيته وكان متكئا فاستوى قاعدا فقال يا أيها الناس من علم منكم علما فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم فإن من العلم أن يقول العالم لما لا يعلم : الله أعلم قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } .

وأخرج البخاري عن عمر قال : " نهينا عن التكلف " ، وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي عن سلمان قال : " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف " .