مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ} (86)

قوله تعالى : { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين }

اعلم أن الله تعالى ختم هذه السورة بهذه الخاتمة الشريفة ، وذلك لأنه تعالى ذكر طرقا كثيرة دالة على وجوب الاحتياط في طلب الدين ، ثم قال عند الختم : هذا الذي أدعو الناس إليه يجب أن ينظر في حال الداعي ، وفي حال الدعوة ليظهر أنه حق أو باطل . أما الداعي وهو أنا . فأنا لا أسألكم على هذه الدعوة أجرا ومالا ، ومن الظاهر أن الكذاب لا ينقطع طمعه عن طلب المال البتة ، وكان من الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان بعيدا عن الدنيا عديم الرغبة فيها ، وأما كيفية الدعوة فقال : وما أنا من المتكلفين ، والمفسرون ذكروا فيه وجوها ، والذي يغلب على الظن أن المراد أن هذا الذي أدعوكم إليه دين ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات الكثيرة ، بل هو دين يشهد صريح العقل بصحته :

فإني أدعوكم إلى الإقرار بوجود الله أولا .

ثم أدعوكم ثانيا : إلى تنزيهه وتقديسه عن كل ما لا يليق به ، يقوي ذلك قوله : { ليس كمثله شىء } وأمثاله ، ثم أدعوكم ثالثا : إلى الإقرار بكونه موصوفا بكمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة .

ثم أدعوكم رابعا : إلى الإقرار بكونه منزها عن الشركاء والأضداد .

ثم أدعوكم خامسا : إلى الإمتناع عن عبادة هذه الأوثان ، التي هي جمادات خسيسة ولا منفعة في عبادتها ولا مضرة في الإعراض عنها .

ثم أدعوكم سادسا : إلى تعظيم الأرواح الطاهرة المقدسة ، وهم الملائكة والأنبياء .

ثم أدعوكم سابعا : إلى الإقرار بالبعث والقيامة : { ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى } .

ثم أدعوكم ثامنا : إلى الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ، فهذه الأصول الثمانية ، هي الأصول القوية المعتبرة في دين الله تعالى ، ودين محمد صلى الله عليه وسلم وبدائه العقول ، وأوائل الأفكار شاهدة بصحة هذه الأصول الثمانية .

86