قوله تعالى : " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت " أي يقال لهم إذا أقروا بالملك يومئذ لله وحده " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت " من خير أو شر . " لا ظلم اليوم " أي لا ينقص أحد شيئا مما عمله . " إن الله سريع الحساب " أي لا يحتاج إلى تفكر وعقد يد كما يفعله الحساب ؛ لأنه العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره ، وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك في ساعة واحدة . وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " {[13364]} . وفي الخبر : ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار .
ولما أخبر عن إذعان كل نفس بانقطاع الأسباب ، أخبرهم بما يزيد رعبهم ، ويبعث رغبهم ورهبهم ، وهو نتيجة تفرده بالملك فقال : { اليوم تجزى } أي تقضى وتكافأ ، بناه للمفعول لأن المرغب المرهب نفس الجزاء ولبيان سهولته عليه سبحانه { كل نفس } لا تترك نفس واحدة لأن العلم قد شملهم والقدرة قد أحاطت بهم وعمتهم ، والحكمة قد منعت من إهمال أحد منهم .
ولما كان السياق للملك والقهر يقتضي الجزاء واعتماد الكسب الذي هو محط التكليف بالأمر والنهي ويقتضي النظر في الأسباب ، لأن ذلك شأن الملك ، قال معبراً بالباء والكسب : { بما } أي بسبب ما { كسبت } أي عملت ، وهي تظن أنه يفيدها سواء بسواء بالكيل الذي كالت يكال لها .
ولما كانت السببية مفهمة للعدل ، فإن الزيادة تكون بغير سبب ، قال معللاً نافياً مثل ما كانوا يتعاطونه من ظلم بعضهم لبعض في الدنيا : { لا ظلم } أي بوجه من الوجوه { اليوم } ولما كان استيفاء الخلائق بالمجازاة أمراً لا يمكن في العادة ضبطه ، ولا يتأنى حفظه وربطه ، فكيف إذا قصدت المساواة في مثاقيل الذر فما دونها :
بميزان قسط لا يخيس شعيرة *** له شاهد من نفسه غير عائل
ضافت النفوس من خوف الطول ، فخفف عنها بقوله معلماً أن أموره على غير ما يعهدونه ، ولذلك أكد وعظم باظهار الاسم الأعظم : { إن الله } أي التام القدرة الشامل العلم { سريع الحساب * } أي بليغ السرعة فيه ، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره في وقت حساب ذلك الغير ، ولا يشغله شأن عن شأن لأنه لا يحتاج إلى تكلف عد ، ولا يفتقر إلى مراجعة كتاب ، ولا شيء ، فكان في ذلك ترجية للفريقين وتخويف ، لأن الظالم يخشى إسراع الأخذ بالعذاب ، والمؤمن يرجو إسراع البسط بالثواب .
قوله : { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } قائل ذلك هو المجيب وهو المنادي في الأظهر . وذلك نداء رعيب ومزلزل من الواحد القهار يعلن فيه للخلائق أن كل نفس إما تُجزى بما عملت من خير وشر وأنه { لا ظُلْمَ اليَوْمَ } ليس من ظلم البتة . ولا يحيق بأحد جور فما الله بظلام للعبيد .
قوله : { إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } الله سبحانه يقضي بين العباد في الآخرة سريعا وهو يحاسب الخلق كلهم في وقت واحد من غير إبطاء في ذلك ولا إنظار ؛ إذ لا يشغله حساب عن حساب . وهو سبحانه لا يحتاج إلى تفكُّر في القضاء بين الخلْق أو تدبُّر كالذي يحتاج إليه القضاء من العباد . بل الله خبير مقتدر لا يعزّ عليه فعل ما يشاء وهو أسرع الحاسبين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.