الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (17)

أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن جابر رضي الله عنه قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القصاص ، فأتيت بعيراً فشددت عليه رحلي ، ثم سرت إليه شهراً حتى قدمت مصر فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت له حديث بلغني عنك في القصاص فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يحشر الله العباد حفاة عراة غرلاً . قلنا ما هما ؟ قال : ليس معهم شيء ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب . أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقصه منها حتى اللطمة . قلنا كيف وان نأتي الله غرلاً بهما ؟ قال : بالحسنات والسيئات ، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم } » .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذنوب ثلاثة : فذنب يغفر ، وذنب لا يغفر ، وذنب لا يترك منه شيء . فالذنب الذي يغفر العبد يذنب الذنب فيستغفر الله فيغفر له ، وأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك ، وأما الذنب الذي لا يترك منه شيء فمظلمة الرجل أخاه . ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } يؤخذ للشاة الجماء من ذات القرون بفضل نطحها .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله عليها قط ولم يخط فيها . فأول ما يتكلم أن ينادي مناد : لمن الملك اليوم . . . ! لله الواحد القهار { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } فأول ما يبدأون به من الخصومات « الدماء » فيؤتى بالقاتل والمقتول فيقول : سل عبدك هذا فيم قتلتني ؟ فيقول : نعم . فإن قال قتلته لتكون العزة لله فإنها له ، وإن قال قتلته لتكون العزة لفلان فإنها ليست له ، ويبوء بإثمه فيقتله . ومن كان قتل بالغين ما بلغوا ويذوقوا الموت كما ذاقوه في الدنيا .

وأخرج الخطيب في تاريخه بسندٍ واهٍ عن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يحشر الناس يوم القيامة كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة غرلا . فقالت عائشة رضي الله عنها : واسوأتاه . . . ؟ ! ينظر بعضنا إلى بعض ، فضرب على منكبها وقال : يا بنت أبي قحافة شغل الناس يومئذ عن النظر ، وسموا بأبصارهم إلى السماء موقوفون أربعين سنة . لا يأكلون ، ولا يشربون ، ولا يتكلمون ، سامين أبصارهم إلى السماء . يلجمهم العرق ، فمنهم من بلغ العرق قدميه ، ومنهم من بلغ ساقيه ، ومنهم من بلغ فخذيه . وبطنه ، ومنهم من يلجمه العرق .

ثم يرحم بعد ذلك على العباد فيأمر الملائكة المقربين ، فيحملون عرش الرب عز وجل حتى يوضع في أرض بيضاء كأنها الفضة لم يسفك فيها دم حرام ، ولم يعمل فيها خطيئة ، وذلك أول يوم نظرت عين إلى الله تعالى . ثم تقوم الملائكة { حافين من حول العرش } [ الزمر : 75 ] ثم ينادي منادٍ فينادي بصوت يسمع الثقلين الجن والإِنس يستمع الناس لذلك الصوت ، ثم يخرج الرجل من الموقف ، فيعرق الناس كلهم ، ثم يعرق بأخذ حسناته فتخرج معه ، فيخرج بشيء لم ير الناس مثله كثرة ، ويعرف الناس تلك الحسنات ، فإذا وقف بين يدي رب العالمين قال : أين أصحاب المظالم ؟ فيقول له الرحمن تعالى : أظلمت فلان ابن فلان في كذا وكذا . . . فيقول : نعم يا رب وذلك { يوم تشهد عليه ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } [ النور : 24 ] فإذا فرغ من ذلك فيؤخذ من حسناته فيدع إلى من ظلمه . وذلك يوم لا دينار ولا درهم إلا أخذ من الحسنات وترك من السيئات ، فإذا لم يبق حسنة قال : من بقي يا ربنا ، ما بال غيرنا استوفوا حقوقهم وبقينا ؟ قيل : لا تعجلوا ، فيؤخذ من سيئاتهم عليه ، فإذا لم يبق أحد يطلبه قيل له ارجع إلى أمك الهاوية فإنه { لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } ولا يبقى ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا صديق ، ولا شهيد ، إلا ظن أنه لم ينج لما رأى من شدة الحساب » .