تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (17)

10

17- { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } .

في ذلك اليوم – يوم القيامة- يلقى كل إنسان جزاء عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشرّ ، وفي ذلك اليوم يكون القصاص والجزاء العادل من الله لعباده ، ويقتص للمظلوم من الظالم .

جاء في " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " للإمام جلال الدين السيوطي المتوفى 911 ه ما يأتي :

أخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن جابر رضي الله عنه قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى اله عليه وسلم في القصاص ، فأتيت بعيرا فشددت علي رحلي ، ثم سرت إليه شهرا ، حتى قدمت مصرا فأتيت عبد الله بن أنيس ، فقلت له : حديث بلغني عنك في القصاص ، فقال : سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحشر الله العباد حفاة عراة غرلا " ، قلنا : ما هما ؟ قال : " ليس معهم شيء ، ثم يناديهم يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قرُب ، أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار ، وعنده مظلمة حتى أقصه منها ، حتى اللطمة " ، قلنا : كيف وأن نأتي الله غرلا بهما ؟ قال : " بالحسنات والسيئات " ، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم . . . } .

وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذنوب ثلاث : فذنب يُغفر ، وذنب لا يُغفر ، وذنب لا يترك منه شيء . فالذنب الذي يُغفر ، العبد يذنب الذنب فيستغفر الله فيغفر له ، وأما الذنب الذي لا يغفر فالشرك ، وأما الذنب الذي لا يترك منه شيء ، فمظلمة الرجل أخاه ، ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما : { اليوم تجزى كل نفس بما كسب لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } . يؤخذ للشاة الجماء من ذات القرون بفضل نطحها .

وتفيد السنّة المطهرة شدة الهول ، ونزاهة القضاء والعدالة في استحقاق المظالم ، وأخذ كل ذي حق حقّه ، وقصاص المقتول من القاتل ، وليس في ذلك اليوم درهم ولا دينار ، وإنما هي الحسنات والسيئات ، فمن كانت عليه مظالم للعباد ، أخذ العباد منه الحسنات ما يكافئ مظالمهم ، وإذا فنيت حسناته ، طُرحت عليه من سيئات المظلومين ثم ألقى به في جهنم .

قال تعالى : { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } .

فهو سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ، بل يحاسب الناس جميعا في وقت واحد ، كما يرزقهم في وقت واحد .