تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الزخرف مكية وآياتها تسع وثمانون ، نزلت بعد الشورى . وقد افتُتحت بحرفين من حروف الهجاء " حم " وبدأت بإثبات صدق القرآن الكريم ، وأن الله تعالى أنزله بهذه اللغة العربية الشريفة . وأنه ثابت في اللوح المحفوظ ، رفيع القدر ، محكَم النظم في أعلى طبقات البلاغة . .

والسورة كباقي السور المكية تعرض جانبا مما كانت الدعوة الإسلامية تلاقيه من مصاعب وعقبات ، ومن جدل واعتراضات ، وكيف يعالج القرآن الكريم تلك النفوس ، ويقرر أثناء علاجها حقائقه وقيَمه بدلا من الخرافات والوثنيان والقيم الجاهلية الزائفة .

وقد سميت السورة الزخرف لما فيها من المثَل الرائع بتشبيه الحياة الدنيا ذات المتاع الزائل ، والبريق الخادع ، بالزخرف اللامع الذي ينخدع به كثير من الناس { ولولا أن يكون أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ، ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون ، وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين } .

وتعرِض السورة بعض دلائل قدرة الله تعالى ووحدانيته الواضحة في هذا الكون الفسيح وما فيه من عجائب وآثار ، وتبيّن بحجج دامغة أن الذين عبدوا غير الله إنما كانوا جاحدين ضالّين . لقد جعلوا له البنات ولهم البنين ! ! ثم جعلوا الملائكة إناثا ، { أشَهدوا خلقهم ؟ ستُكتب شهادتهم ويُسألون } . وإذا تغلبهم الحجة يقولون : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } وهكذا تمسكون بتقليد آبائهم .

ثم يثبّت الله رسوله الكريم ويحثّه أن يستمسك بالذي أوحيَ إليه لأنه صراط مستقيم ، فالقرآن والدين والعقيدة الصافية التي وردت فيه شرف كبير للنبي ولقومه { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون } .

ثم عرضت السورة إلى طرف من قصة إبراهيم ، ثم قصة موسى وعيسى باختصار . وفي عبرتها تذكّر الناس بقيام الساعة التي تأتي بغتة وهم لا يشعرون . وعند ذلك يكون كما قال تعالى : { الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } . كما وتعرض السورة إلى ما أعد للمؤمنين من نعيم وما يُغذَق عليهم مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، وهم في الجنة خالدون . . وبالمقابل يأتي ما ينتظر المجرمين من العذاب المقيم .

ويخاطب الله تعالى رسوله الكريم بقوله : { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } . وتختم السورة بعموم مُلك الله وبيان عظمته وجلاله ، وعجز من أشركوهم معه ، وبخطاب رقيق إلى سيد البشر عليه الصلاة والسلام { فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يَعلمون } .

حم : تقرأ هكذا حاميم . افتتحت هذه السورة بهذين الحرفين من حروف الهجاء وقد تقدم ذِكر أمثالهما .

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

مكية بإجماع . وقال مقاتل : إلا قوله : " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا " {[1]} [ الزخرف : 45 ] . وهي تسع وثمانون آية .

قوله تعالى : " حم ، والكتاب المبين " تقدم الكلام فيه{[13577]} . وقيل : " حم " قسم . " والكتاب المبين " قسم ثان ، ولله أن يقسم بما شاء . والجواب " إنا جعلناه " . وقال ابن الأنباري : من جعل جواب " والكتاب " " حم " - كما تقول نزل والله ، وجب والله - وقف على " الكتاب المبين " . ومن جعل جواب القسم " إنا جعلناه " لم يقف على " الكتاب المبين " . ومعنى : " جعلناه " أي سميناه ووصفناه ؛ ولذلك تعدى إلى مفعولين ، كقوله تعالى : " ما جعل الله من بحيرة " {[13578]} [ المائدة : 103 ] . وقال السدي : أي أنزلناه قرآنا . مجاهد : قلناه الزجاج وسفيان الثوري : بيناه . " عربيا " أي أنزلناه بلسان العرب ؛ لأن كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه ، قاله سفيان الثوري وغيره . وقال مقاتل : لأن لسان أهل السماء عربي . وقيل : المراد بالكتاب جميع الكتب المنزلة على الأنبياء ؛ لأن الكتاب اسم جنس فكأنه أقسم بجميع ما أنزل من الكتب أنه جعل القرآن عربيا .

والكناية في قوله : " جعلناه " ترجع إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة ؛ كقوله تعالى : " إنا أنزلناه في ليلة القدر " . [ القدر : 1 ] . " لعلكم تعقلون " أي تفهمون أحكامه ومعانيه . فعلى هذا القول يكون خاصا للعرب دون العجم . قاله ابن عيسى .

وقال ابن زيد : المعنى لعلكم تتفكرون ، فعلى هذا يكون خطابا عاما للعرب والعجم . ونعت الكتاب بالمبين لأن الله بين فيه أحكامه وفرائضه ، على ما تقدم في غير موضع .


[1]:لعله عمرو بن مرة المذكور في سند الحديث (انظر ابن ماجه ج 1 ص 139 وسنن أبي داود ج 1 ص 77 طبع مصر).
[13577]:راجع ج 15 ص 289.
[13578]:آية 103 سورة المائدة.
   
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية كلها ، وآياتها تسع وثمانون . وهي تتضمن فيضا من المعاني الجليلة الخيرة ، والأخبار العظيمة المؤثرة . ومن جملة ذلك الإخبار عن تكذيب أكثر الأمم السابقة الذين أعرضوا وتولوا عن عقيدة التوحيد ، ولجوا في الكفرمعاندين متلبسين بالوثنية والشرك وغير ذلك من ضلالات الآباء والأجداد فكان جزاؤهم الإهلاك والاستئصال ، ويوم القيامة يردون إلى الناروبئس القرار .

وفي السورة كثير من الأدلة والبينات على عظيم قدرة الله وأنه الإله الموجد الحق . وفيها تنديد شديد بالمشركين السفهاء الذين زعموا أن الملائكة بنات الله مستأثرين لأنفسهم بالبنين . تعالى الله عن افتراء الظالمين علوا كبيرا .

وتبين السورة أن الله رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات تبعا لاختلاف طبائعهم وتفاوت طاقاتهم وقدراتهم واستعداداتهم البدنية والعقلية . وبناء على هذه القاعدة سيتخذ الناس بعضهم بعضا سخريا وهو ما لا بأس فيه ولا غرابة .

وفي السورة إخبار عن نبي الله موسى عليه السلام ، إذ دعا فرعون وقومه إلى دين الله ومجانبة الظلم والطغيان والغرور . لكن فرعون طغى وبغى ، وتجبر واستكبر فأخذه الله بالتغريق نكال كفره وعتوه وطغيانه .

وفي السورة إخبار عن المسيح ابن مريم عليه السلام . وأن ولادته وبعثه إيذان للساعة وإعلام من الله بدنو قيامها .

وفيها بيان بأحوال الظالمين الخاسرين في النار وما يلاقونه فيها من شديد الأهوال وفظاعة التحريق والاصطراخ والاستيئاس .

إلى غير ذلك من ضروب الأخبار والأفكار والمعاني وألوان التحذير والتهديد والتخويف .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ حم1 والكتاب المبين2 إنا جعلناه قرآنان عربيا لعلكم تعقلون3 وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم 4 أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين 5 وكم أرسلنا من نبي في الأولين 6 وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون7 فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين }

تقدم الكلام عن بعض فواتح السور من حروف التهجي المقطعة مثل { حم } وخير ما قيل في المراد بها ، إن ذلك مرده إلى الله فهو سبحانه العليم بما أراد .