في السورة حملة على المشركين بسبب عقيدتهم بأن الملائكة بنات الله وتمسكهم الأعمى بتقاليد الآباء واستكبارهم عن الاستجابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنه لم يكن من العظماء . وحكاية لاعترافهم بأن الله خالق السماوات والأرض وخالقهم أيضا . وفصول من المناظرة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم حول عقائدهم . وتذكير بإبراهيم وموقفه من قومه وبموسى ورسالته لفرعون وبعيسى ورسالته ، وتقرير لمسؤولية قوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن القرآن ورسالته ، وتطمين للنبي وتسليته . وتنويه بعظمة الله وشمول ربوبيته ، ووصف رائع لمصائر المتقين والمجرمين في الآخرة .
وفصول السورة مترابطة ومتساوقة ، وبدايتها مرتبطة بنهايتها أيضا مما فيه الدلالة على نزول دفعة واحدة أو متتابعة .
وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآية ( 54 ) مدنية ، وهي منسجمة في السياق والموضوع انسجاما تاما ، وهذا ما يحمل على الشك في تلك الرواية .
{ حم ( 1 ) والكتاب المبين ( 2 ) إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ( 3 ) وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ( 4 ) أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين ( 5 ) وكم أرسلنا من نبي في الأولين ( 6 ) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون ( 7 ) فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين ( 8 ) }
ننصرف عن تذكيركم بسبب أنكم قوم مسرفون في المكابرة والعناد .
وابتدأت السورة بحرفي الحاء والميم للاسترعاء إلى ما بعدهما . ثم أعقبهما قسم رباني بالكتاب المبين الواضح في أهدافه ودعوته بأن الله إنما أنزل القرآن باللغة العربية ليستطيع العرب المخاطبون به أن يفهموه ويعقلوه . وأنه- في أم الكتاب عند الله- علي الشأن حكيم الأسلوب والمقاصد .
1- سؤالا استنكاريا موجها للكفار السامعين المخاطبين عما إذا كانوا يظنون أن الله تعالى يترك تذكيرهم بسبب إسرافهم في المكابرة والعناد أو تجاوز حدوده .
2-وتذكيرا بأن الله أرسل قبلهم أنبياء عديدين فكان أقوامهم يستهزئون بهم فأهلكهم وكانوا أشد بطشا منهم ، وعلى هذا جرت سنة الله في الأمم السابقة لهم .
وجمهور المفسرين على أن تعبير { أم الكتاب } هو اللوح المحفوظ{[1842]} . غير أن الذي يتبادر لنا أنه بمعنى مصدر التنزيل على سبيل توكيد كون القرآن صادرا عن الله تعالى . ولعل هذا التوكيد متصل بما حكته آيات سورة فصلت ، ثم آيات سورة الشورى السابقتين لهذه السورة لما كان يحتج به الكفار في معرض الإنكار باختلاف لغة القرآن عن لغة السماوية الأولى . فالقرآن صادر عن الله تعالى الذي صدرت عنه هذه الكتب . وإذا كانت لغته عربية فإن ذلك بقصد أن يفهمه المخاطبون ، ولا يحتجوا بعجمته كما احتجوا بعجمة الكتب السماوية الأولى ، مما انطوى في آية سورة الأنعام هذه : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين ( 156 ) } . على أن هذا التأويل لا يتعارض مع مفهوم اللوح المحفوظ الذي شرحناه في تفسير سورة البروج شرحا يغني عن التكرار .
هذا ، ويلحظ أن عروبة القرآن وصلته بالله تعالى كانتا موضوعا رئيسيا في السور الثلاث السابقة ، وبخاصة في سورتي فصلت والشورى ، ثم في هذه السورة فضلا عما قبلها مما يدل على اشتداد لجاج الكفار في هذا الموضوع ، وعلى صحة ترتيب هذه السور وتتابعها في النزول . وهو على ما هو المتبادر سبب ما روى عن سلسلة الحواميم وأوردناه في مقدمة سورة غافر من أحاديث .
وأسلوب الآيات والتوكيد يؤيد ما قلناه أكثر من مرة من أن المقصد من تعبير القرآن والكتاب كان في بدء الأمر القسم الذي احتوى الآيات المحكمات في مبادئ الدعوة وأسسها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.