الأولى : قوله تعالى : " ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " . البعير هنا الجمل في قول أكثر المفسرين . وقيل : إنه الحمار ، وهي لغة لبعض العرب ، قاله مجاهد واختاره . وقال مجاهد : الزعيم هو المؤذن الذي قال : " أيتها العير " . والزعيم والكفيل والحميل والضمين والقبيل سواء والزعيم الرئيس . قال{[1]} :
وإني زعيمٌ إن رجعتُ مُمَلَّكًا *** بِسَيْرٍ تَرَى منه الفُرَانِقَ أزوَرَا
وقالت ليلى الأخيلية ترثي أخاها{[2]} :
ومُخَرَّقٍ عنه القَميصُ تَخَالُه *** يوم اللقاء من الحياءِ سَقِيمَا
حتى إذا رفع اللواءَ رأيتَهُ *** تحت اللواء{[3]} على الخَمِيسِ زعيمَا
الثانية : إن قيل : كيف ضمن حمل البعير وهو مجهول ، وضمان المجهول لا يصح ؟ قيل له : حمل البعير كان معينا معلوما عندهم كالوسق ، فصح ضمانه ، غير أنه كان{[4]} بدل مال للسارق ، ولا يحل للسارق ذلك ، فلعله كان يصح في شرعهم أو كان هذا جعالة ، وبذل مال لمن كان{[5]} يفتش ويطلب .
الثالثة : قال بعض العلماء : في هذه الآية دليلان : أحدهما : جواز الجُعْل وقد أجيز للضرورة ، فإنه يجوز فيه من الجهالة ما لا يجوز في غيره ، فإذا قال الرجل : من فعل كذا فله كذا صح . وشأن الجعل أن يكون أحد الطرفين معلوما والآخر مجهولا للضرورة إليه ، بخلاف الإجارة ، فإنه يتقدر فيها العوض والمعوض من الجهتين ، وهو من العقود الجائزة التي يجوز لأحدهما فسخه ، إلا أن المجعول له يجوز أن يفسخه قبل الشروع وبعده ، إذا رضي بإسقاط حقه ، وليس للجاعل أن يفسخه إذا شرع المجعول له في العمل . ولا يشترط في عقد الجعل حضور المتعاقدين ، كسائر العقود ؛ لقوله : " ولمن جاء به حمل بعير " وبهذا كله قال الشافعي .
الرابعة : متى قال الإنسان ، من جاء بعبدي الآبق فله دينار لزمه ما جعله فيه إذا جاء به ، فلو جاء به من غير ضمان لزمه إذا جاء به على طلب الأجرة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من جاء بآبق فله أربعون درهما ) ولم يفصل بين من جاء به من عقد ضمان أو غير عقد . قال ابن خويز منداد : ولهذا قال أصحابنا : إن كان ممن يفعل بالإنسان ما يجب عليه أن يفعله بنفسه من مصالحه لزمه ذلك ، وكان له أجر مثله إن كان ممن يفعل ذلك بالأجر .
قلت : وخالفنا في هذا كله الشافعي .
الخامسة : الدليل الثاني : جواز الكفالة على الرجل ؛ لأن المؤذن الضامن هو غير يوسف عليه السلام ، قال علماؤنا : إذا قال الرجل تحملت أو تكفلت أو ضمنت أو وأنا حميل لك أو زعيم أو كفيل أو ضامن أو قبيل ، أو هو لك عندي أو علي أو إلي أو قبلي فذلك كله حمالة لازمة ، وقد اختلف الفقهاء فيمن تكفل بالنفس أو بالوجه ، هل يلزمه ضمان المال أم لا ؟ فقال الكوفيون : من تكفل بنفس رجل لم يلزمه الحق الذي على المطلوب إن مات ، وهو أحد قولي الشافعي في المشهور عنه . وقال مالك والليث والأوزاعي : إذا تكفل بنفسه وعليه مال فإنه إن لم يأت به غرم المال ، ويرجع به إلى المطلوب ، فإن اشترط ضمان نفسه أو وجهه وقال : لا أضمن المال فلا شيء عليه من المال ، والحجة لمن أوجب غرم المال أن الكفيل قد علم أن المضمون وجهه لا يطلب بدم ، وإنما يطلب بمال ، فإذا ضمنه له ولم يأته به فكأنه فوته عليه ، وعزه منه ، فلذلك لزمه المال . واحتج الطحاوي للكوفيين فقال : أما ضمان المال بموت المكفول به{[6]} فلا معنى له ؛ لأنه إنما تكفل بالنفس ولم يتكفل بالمال ، فمحال أن يلزمه ما لم يتكفل به .
السادسة : واختلف العلماء إذا تكفل رجل عن رجل بمال ، هل للطالب أن يأخذ من شاء منهما ؟ فقال الثوري والكوفيون والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق : يأخذ من شاء حتى يستوفي حقه ، وهذا كان قول مالك ثم رجع عنه فقال : لا يؤخذ الكفيل إلا أن يفلس الغريم أو يغيب ؛ لأن التبدية بالذي عليه الحق أولى ، إلا أن يكون معدما فإنه يؤخذ من الحميل ، لأنه معذور في أخذه في هذه الحالة ، وهذا قول حسن . والقياس أن للرجل مطالبة أي الرجلين شاء . وقال ابن أبي ليلى : إذا ضمن الرجل عن صاحبه ما لا تحول على الكفيل وبرئ صاحب ، الأصل ، إلا أن يشترط المكفول له عليهما أن يأخذ أيهما شاء ، واحتج ببراءة الميت من الدين ، بضمان أبي قتادة{[7]} ، وبنحوه قال أبو ثور .
السابعة : الزعامة لا تكون إلا في الحقوق التي تجوز{[8]} النيابة فيها ، مما يتعلق بالذمة من الأموال ، وكان ثابتا مستقرا ، فلا تصح الحمالة بالكتابة لأنها ليست بدين ثابت مستقر ؛ لأن العبد إن عجز رق وانفسخت الكتابة ، وأما كل حق لا يقوم به أحد عن أحد كالحدود فلا كفالة فيه ، ويسجن المدعى عليه الحد ، حتى ينظر في أمره .
وشذ أبو يوسف ومحمد فأجازا الكفالة في الحدود والقصاص ، وقالا : إذا قال المقذوف أو المدعي القصاص بينتي حاضرة كفله ثلاثة أيام ، واحتج لهم الطحاوي بما رواه حمزة بن عمرو عن عمر وابن مسعود وجرير بن عبد الله والأشعث أنهم حكموا بالكفالة بالنفس بمحضر الصحابة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.