الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ} (18)

قوله تعالى : " يومئذ تعرضون " أي ، على الله ، دليله : " وعرضوا على ربك صفا " وليس ذلك عرضا يعلم به ما لم يكن عالما به ، بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة . وروى الحسن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ) . خرجه الترمذي قال : ولا يصح من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة . " لا تخفى منكم خافية " أي هو عالم بكل شي من أعمالكم . " فخافية " على هذا بمعنى خفية ، كانوا يخفونها من أعمالهم ، قاله ابن شجرة . وقيل : لا يخفى عليه إنسان ، أي لا يبقى إنسان لا يحاسب . وقال عبدالله بن عمرو بن العاص : لا يخفى المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر . وقيل : لا تستتر منكم عورة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحشر الناس حفاة عراة ) . وقرأ الكوفيون إلا عاصما " لا يخفى " بالياء ؛ لأن تأنيث الخافية غير حقيقي ، نحو قوله تعالى : " وأخذ الذين ظلموا الصيحة{[15314]} " [ هود : 67 ] واختاره أبو عبيد ؛ لأنه قد حال بين الفعل وبين الاسم المؤنث الجار والمجرور . الباقون بالتاء . واختاره أبو حاتم لتأنيث الخافية .


[15314]:راجع جـ 9 ص 61.