لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{ءَأَنتُمۡ تَخۡلُقُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡخَٰلِقُونَ} (59)

قوله جلّ ذكره : { أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أأَنتُمْ تَخْلَقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ } .

يقال : مَنىَ الرجلُ وأَمْنَى . والمعنى : هل إذا باشَرْتُم وأنزلتم وانعقد الولد . . . أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ؟ والخَلْقُ ها هنا : التصوير ؛ أي : أأنتم تجمعون صُوَرَ المولود وتُرَكِّبون أعضاءَه . . . أم نحن ؟

وهم كانوا يُقِرُّون بالنشأة الأولى فاحتجَّ بهذا على جواز النشأة الأخرى عند البعث الذي كانوا ينكرونه . وهذه الآية أصلٌ في إثبات الصانع ؛ فإن أصلَ خِلْقَةِ الإنسان من قطرتين : قطرة من صُلْبِ الأب وهو المني وقطرة من تربية الأم ، وتجتمع القطرتان في الرَّحِم فيصير الولد . وينقسم الماءان المختلطان إلى هذه الأجزاء التي هي أجزاء الإنسان من العَظْم والعَصَبِ والعرِقِ والجِلْدِ والشَّعْر . . . ثم يركبها على هذه الصور في الأعضاء الظاهرة وفي الأجزاء الباطنة حيث يُشَكَّلُ كل عضوٍ بشكلٍ خاص ، والعِظام بكيفية خاصة . . . إلى غير ذلك .

وليس يخلو : إِمَّا أَنْ يكونَ الأبوَان يصنعانه - وذلك التقديرُ محالٌ لتقاصر عِلْمِها وقُدْرتهما عن ذلك وتمَنِّيهما الولَدَ ثم لا يكون ، وكراهتهما الولدَ ثم يكون !

والنُّطفة أو القَطْرةُ مُحَالٌ تقديرُ فِعْلها في نَفْسِها على هذه الصورة لكونها من الأموات بَعْدُ ، ولا عِلْمَ لها ولا قدرة .

أو مِنْ غيرِ صانعٍ . . . وبالضرورة يُعْلَمُ أنه لا يجوز .

فلم يَبْقَ إِلاَّ أن الصانعَ القديمَ المَلِكَ العليمَ هو الخالق .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ءَأَنتُمۡ تَخۡلُقُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡخَٰلِقُونَ} (59)

{ ءأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } أي تقدرونه وتصورونه بشراً سوياً تام الخلقة ، فالمراد خلق ما يحصل منه على أن في الكلام تقديراً أو تجوزاً ، وجوز إبقاء ذلك على ظاهره أي { أأنتم تَخْلُقُونَهُ } وتنشئون نفس ذات ما تمنونه { أَم نَحْنُ الخالقون } له من غير دخل شيء فيه وأرأيتم قد مر الكلام غير مرة فيه ، ويقال هنا : إن اسم الموصول مفعوله الأول والجملة الاستفهامية مفعوله الثاني ، وكذا يقال فيم بعد من نظائره وما يعتبر فيه الرؤية بصرية تكون الجملة الاستفهامية فيه مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، وجوز في أنتم أن يكون مبتدأ ، والجملة بعده خبره ، وأن يكون فاعلاً لفعل محذوف والأصل أتخلقون فلما حذف الفعل انفصل الضمير ، واختاره أبو حيان ، و { أَمْ } قيل : منقطعة لأن ما بعدها جملة فالمعنى بل أنحن الخالقون على أن الاستفهام للتقرير ، وقال قوم من النحاة : متصلة معادلة للهمزة كأنه قيل : { تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون } ثم جيء بالخالقون بعد بطريق التأكيد لا بطريق الخبرية أصالة .