الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ءَأَنتُمۡ تَخۡلُقُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡخَٰلِقُونَ} (59)

و { أَأَنتُمْ } : يجوزُ فيه وجهان ، أحدُهما : أنه فاعل/ فعلٍ مقدرٍ أي : أتخلقونه ، فلَمَّا حُذِفَ الفعل لدلالةِ ما بعدَه عليه انفصل الضميرُ ، وهذا من بابِ الاشتغال . والثاني : أنَّ " أنتم " مبتدأٌ ، والجملةُ بعده خبرُه . والأولُ أرجحُ لأجلِ أداةِ الاستفهام .

وقوله : { أَم } يجوز فيها وجهان ، أحدهما : أنها منقطعةٌ ؛ لأن بعدها جملةً ، وهي إنما تَعْطِفُ المفرداتِ . والثاني : أنها متصلةٌ . وأجابوا عن وقوعِ الجملةِ بعدها : بأنَّ مجيءَ الخبرِ بعد " نحن " أُتي به على سبيلِ التوكيدِ إذ لو قال : " أم نحنُ " لاكتُفِيَ به دونَ الخبرِ . ونظيرُ ذلك جوابُ مَنْ قال : [ مَنْ ] في الدار ؟ زيدٌ في الدار ، أو زيدٌ فيها ، ولو اقْتُصِر على " زيد " لكان كافياً . قلت : ويؤيِّد كونَها متصلة أنَّ الكلامَ يَقْتَضي تأويلَه : أيُّ الأمرَيْن واقعٌ ؟ وإذا صَلَحَ ذلك كانت متصلةً إذ الجملةُ بتأويلِ المفردِ .

ومفعولُ " الخالقون " محذوفٌ لفَهْم المعنى أي : الخالِقوه .

وقرأ العامَّةُ " تُمْنُوْن " بضمِّ التاء مِنْ أَمْنَى يُمْني . وابن عباس وأبو السَّمَّال بفتحِها مِنْ مَنَى يَمْنِي . وقال الزمخشري : يقال : " أمْنَى النُّطْفَةَ ومَناها . قال اللَّهُ تعالى : { مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } [ النجم : 46 ] انتهى . فظاهرُ هذا أنه استشهادٌ للثلاثي ، وليس فيه دليلٌ له ؛ إذ يُقال من الرباعي أيضاً " تُمْنَى " كقول : " أنت تُكْرَم " وهو مِنْ أَكْرَم .