لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ} (20)

قوله جل ذكره : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } : أي قوَّيْنا مُلْكَه بأنصاره ، وفي التفسير : كان يحفظ مُلْكَه كلَّ ليلةٍ ثلاثةٌ وثلاثون ألفَ رجلٍ .

قوله جلّ ذكره : { وَشَدَدنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } : أي شددنا مُلْكَه بنصرنا له ودَفْعِنا البلاَءَ عنه . ويقال شدنا مُلْكَه بالعدل في القضية ، وحُسْنِ السيرة في الرعية . ويقال شددنا ملكه بقبض أيدي الظَّلَمَة .

ويقال شددنا ملكه بدعاء المستضعفين . ويقال شددنا مُلْكَه بأن رأى النصرةَ مِنَّا ، وَتَبرَّأَ من حَوْلِه وقُوَّتِه .

ويقال بوزراء ناصحين كانوا يدلُّونه على ما فيه صلاح مُلْكه . ويقال بِتَيَقُّظِه وحُسْنِ سياسته . ويقال بقبوله الحق من كلِّ أحد . ويقال برجوعه إلينا في عموم الأوقات .

{ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } : أي أعطيناه الرُّشْدَ والصوابَ ، والفَهْمَ والإصابة . ويقال العلم بنفْسِه وكيفية سياسة أمته . ويقال الثبات في الأمور والحكمة ، وإِحكام الرأي والتدبُّر . ويقال صحبة الأبرار ، ومجانبة الأشرار .

وأمَّا { وَفَصْلَ الْخِطَابِ } : فهو الحكم بالحق ، وقيل : البينة على مَنْ ادَّعىَ واليمين على مَنْ أنكر . ويقال : القضاء بين الخصوم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ} (20)

قوله تعالى : { وشددنا ملكه } أي : قويناه بالحرس والجنود ، قال ابن عباس : كان أشد ملوك الأرض سلطاناً ، كان يحرس محرابه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا عبد الله بن حامد ، أنبأنا محمد بن خالد بن الحسن ، حدثنا داود بن سليمان ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا محمد بن الفضل ، أنبأنا داود بن أبي الفرات ، عن علي بن أحمد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن رجلاً من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم عند داود عليه السلام أن هذا غصبني بقراً ، فسأله داود فجحد ، فقال للآخر : البينة ؟ فلم يكن له بينة ، فقال لهما داود : قوما حتى أنظر في أمركما ، فأوحى الله إلى داود في منامه أن يقتل الذي استعدى عليه ، فقال : هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت ، فأوحى الله إليه مرة أخرى فلم يفعل ، فأوحى الله إليه الثالثة أن يقتله أو تأتيه العقوبة ، فأرسل داود إليه فقال : إن الله أوحى إلي أن أقتلك ، فقال : تقتلني بغير بينة ؟ فقال داود : نعم والله لأنفذن أمر الله فيك ، فلما عرف الرجل أنه قاتله ، قال : لا تعجل حتى أخبرك إني والله ما أخذت بهذا الذنب ولكني كنت اغتلت والد هذا فقتلته ، فلذلك أخذت ، فأمر به داود فقتل ، فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك لداود ، واشتد به ملكه فذلك قوله عز وجل : { وشددنا ملكه } . { وآتيناه الحكمة } يعني : النبوة والإصابة في الأمور ، { وفصل الخطاب } قال ابن عباس : بيان الكلام . وقال ابن مسعود ، والحسن ، والكلبي ، ومقاتل : علم الحكم والتبصر في القضاء . وقال علي بن أبي طالب : هو أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، لأن كلام الخصوم ينقطع وينفصل به . ويروى ذلك عن أبي بن كعب قال : فصل الخطاب ، الشهود والأيمان . وهو قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح . وروي عن الشعبي : أن فصل الخطاب : هو قول الإنسان بعد حمد الله والثناء عليه : ( ( أما بعد ) ) إذا أراد الشروع في كلام آخر ، وأول من قاله داود عليه السلام .