خافضة رافعة : خافضة لأقوام ، رافعة لآخرين .
تخفض أقواما وترفع آخرين ، فالكافرون والمجرمون ، والعصاة والظالمون ، وأهل الباطل والعلو في الأرض بغير الحق ، وأمثالهم ، يخفض الله أقدارهم ، حيث يدخلهم جهنم ، فيجدون فيها المذلة والمهانة ، وألوان العذاب .
أما المؤمنون والسابقون ، والمجاهدون والصالحون ، فيرفع الله أقدارهم ، ويدخلهم الجنة .
وقيل : خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ . أي : تزلزل الأشياء ، وتزيلها من أماكنها ، فتنشق السماء ، وتتناثر الكواكب ، وتسير الجبال فتمرّ في الجو مرّ السحاب ، كما قال سبحانه في شأن قوم لوط : { جعلنا عاليها سافلها . . . } ( هود : 82 ) .
وقوله عز وجل : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هي خافضة لأقوام رافعة لآخرين كما قال ابن عباس ، وأخرجه عنه جماعة ، والجملة تقرير لعظمتها وتهويل لأمرها فإن الوقائع العظام شأنها الخفض والرفع كما يشاهد في تبدل الدول وظهور الفتن من ذل الأعزة وعز الأذلة ، وتقديم الخفض على الرفع لتشديد التهويل ، أو بيان لما يكون يومئذ من حط الأشقياء إلى الدركات ورفع السعداء إلى درجات الجنات ، وعلى هذا قول عمر رضي الله تعالى عنه : خفضت أعداء الله تعالى إلى النار ورفعت أولياءه إلى الجنة ، أو بيان لما يكون من ذلك ومن إزالة الأجرام عن مقارها ونثر الكواكب وتسيير الجبال في الجو كالسحاب ، والضحاك بعد أن فسر الواقعة بالصيحة قال : خافضة تخفض قوتها لتسمع الأدنى { رَّافِعَةٌ } ترفعها لتسمع الأقصى ، وروى ذلك أيضاً عن ابن عباس . وعكرمة ، وقدر أبو علي المبتدأ مقروناً بالفاء أي فهي { خَافِضَةٌ } وجعل الجملة جواب إذا فكأنه قيل : { إِذَا وَقَعَتِ الواقعة } خفضت قوماً ورفعت آخرين ، وقرأ زيد بن علي . والحسن . وعيسى . وأبو حيوة . وابن أبي عبلة . وابن مقسم . والزعفراني . واليزيدي في اختياره { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } بنصبهما ، ووجه أن يجعلا حالين عن الواقعة على أن { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } [ الواقعة : 2 ] اعتراض أو حالين عن وقعتها .
ثم بين - سبحانه - ما يترتب على قيام الساعة من أحوال فقال : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أى : هى خافضة للأشقياء إلى أسفل الدركات : وهى رافعة للسعداء إلى أعلى الدرجات .
والخفض والرفع يستعملان عند العرب فى المكان والمكانة . وفى العز والإهانة . . . ونسب - سبحانه - الخفض والرفع إلى القيامة على سبيل المجاز .
والمقصود بالآية الكريمة ترغيب الصالحين فى الازدياد من العمل الصالح ، لترفع منزلتهم يوم القيامة ، وترهيب الفاسقين من سوء المصير الذى ينتظرهم ، إذا ما استمروا فى فسقهم وعصيانهم .
ويرى بعضهم أن المراد بالخفض والرفع فى هذا اليوم ، ما يترتب عليه من تناثر النجوم ، ومن تبدل الأرض غير الأرض ، ومن صيرورة الجبال كالعهن المنفوش .
وعلى هذا يكون المقصود بالآية : التهويل من شأن يوم القيامة ، حتى يستعد الخلق لاستقباله ، بالإيمان والعمل الصالح ، حتى لا يصيبهم فيه ما يصيب العصاة المفسدين ، من خزى وهوان .
والآية الكريمة تسع المعنيين ، لأن فى هذا اليوم يرتفع الأخيار وينخفض الأشرار ، ولأن فيه - أيضا - { تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات . . . }
قوله : { خافضة رافعة } أي ترفع أقواما وتخفض آخرين ، أو تخفض أقواما إلى الجحيم وإن كانوا أعزة في الدنيا . وترفع آخرين إلى جنات النعيم وإن كانوا في دنياهم من العالة والبائسين . أو أن ما يصيبها من خفض ورفع بسبب ما يأتي على الكون من اضطراب وارتجاج وزلزال ، وحينئذ تضطرب الأجرام وتنتثر الكواكب والنجوم . وتلكم أحداث كونية هائلة لا جرم أن تضطرب الأرض فيصيبها من الخفض والرفع ما يصيبها ويؤيد ذلك قوله سبحانه : { إذا رجت الأرض رجا } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{خافضة} يقول: أسمعت القريب، ثم قال: {رافعة} آية يقول: أسمعت البعيد، فكانت صيحة، يعني فصارت صيحة واحدة، أسمعت القريب والبعيد. قال أبو محمد: قال الفراء عن الكلبي: {خافضة} قوما إلى النار، و {رافعة} قوما إلى الجنة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"خافِضَةٌ رَافِعَةٌ "يقول تعالى ذكره: الواقعة حينئذٍ خافضة، أقواما كانوا في الدنيا، أعزّاء إلى نار الله.
وقوله: "رَافِعَةٌ" يقول: رفعت أقواما كانوا في الدنيا وُضَعاء إلى رحمة الله وجنته. وقيل: خفضت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... {خافضة} لمن تكبر، وتعظم على الخلق، رادّة إياه و {رافعة} لمن تواضع للخلق، وانقاد له، وقبله. وقيل: {خافضة} لأهل النار في النار كقوله تعالى: {يوم يسحبون في النار} [القمر: 48] و {رافعة} لأهل الجنة كقوله تعالى: {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} [القمر: 55].
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
خفضت قوماً بالعدل ورفعت قوماً بالفضل.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} فيه ثلاثة أقاويل:...
رابعاً: أنها خفضت بالنفخة الأولى من أماتت، ورفعت بالنفخة الثانية من أحيت.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ترفع أقواماً وتضع آخرين: إما وصفاً لها بالشدّة؛ لأنّ الواقعات العظام كذلك، يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس، وإما لأنّ الأشقياء يحطون إلى الدركات، والسعداء يرفعون إلى الدرجات؛ وإما أنها تزلزل الأشياء وتزيلها عن مقارّها، فتخفض بعضاً وترفع بعضاً: حيث تسقط السماء كسفاً وتنتثر الكواكب وتنكدر وتسير الجبال فتمرّ في الجوّ مرّ السحاب
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يكن منه الفعل، يقولون: ليل نائم ونهار صائم. وفي التنزيل: "بل مكر الليل والنهار " [سبأ: 33] والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو الله وحده.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
وقرر عظمتها وحقق بعث الأمور فيها بقوله مخبراً عن مبتدأ محذوف: {خافضة} أي هي لمن يشاء الله خفضه من عظماء أهل النار وغيرهم مما يشاؤه من الجبال وغيرها إلى أسفل سافلين {رافعة} أي لضعفاء أهل الجنة وغيرهم من منازلهم وغيرها مما يشاؤه إلى عليين، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه.