في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (7)

وبعد هذا الثناء الكريم على عبده يطمئنه إلى غده مع المشركين ، الذين رموه بذلك البهت اللئيم ؛ ويهددهم بافتضاح أمرهم وانكشاف بطلانهم وضلالهم المبين :

( فستبصر ويبصرون . بأيكم المفتون . إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) . .

والمفتون الذي يطمئن الله نبيه إلى كشفه وتعيينه هو الضال . أو هو الممتحن الذي يكشف الامتحان عن حقيقته . وكلا المدلولين قريب من قريب . . وهذا الوعد فيه من الطمأنينة لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وللمؤمنين معه ، بقدر ما فيه من التهديد للمناوئين له المفترين عليه . . أيا كان مدلول الجنون الذي رموه به . والأقرب إلى الظن أنهم لم يكونوا يقصدون به ذهاب العقل . فالواقع يكذب هذا القول . إنما كانوا يعنون به مخالطة الجنة له ، وإيحاءهم إليه بهذا القول الغريب البديع - كما كانوا يظنون أن لكل شاعر شيطانا هو الذي يمده ببديع القول ! - وهو مدلول بعيد عن حقيقة حال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وغريب عن طبيعة ما يوحى إليه من القول الثابت الصادق المستقيم .

وهذا الوعد من الله يشير إلى أن الغد سيكشف عن حقيقة النبي وحقيقة مكذبيه . ويثبت أيهم الممتحن بما هو فيه ؛ أو أيهم الضال فيما يدعيه . ويطمئنه إلى أن ربه ( هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) . . وربه هو الذي أوحى إليه ، فهو يعلم أنه المهتدي ومن معه . وفي هذا ما يطمئنه وما يقلق أعداءه ، وما يبعث في قلوبهم التوجس والقلق لما سيجيء !

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ} (7)

{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين } استئناف لبيان ما قبله وتأكيد لما تضمنه من الوعد والوعيد أي هو سبحانه أعلم بمن ضل عن سبيله المؤدي إلى سعادة الدارين وهام في تيه الضلال متوجهاً إلى ما يقتضيه من الشقاوة الأبدية ومزيد النكال وهذا هو المجنون الذي لا يفرق بين النفع والضر بل يحسب الضرر نفعاً فيؤثره والنفع ضرراً فيهجره وهو عز وجل أعلم بالمهتدين إلى سبيله الفائزين بكل مطلوب الناجين عن كل محذور وهم العقلاء المراجيح فيجزي كلاً من الفريقين حسبما يستحقه من العقاب والثواب وفي الكشاف أن ربك هو أعلم بالمجانين على الحقيقة وهم الذين ضلوا عن سبيله وهو أعلم بالعقلاء وهم المهتدون أو يكون وعيداً ووعدا وأنه سبحانه أعلم بجزاء الفريقين قال في الكشف هو على الأول تذييل مؤكد لما رمز إليه في السابق من أن المفتون من قرفك به جار على أسلوب المؤكد في عدم التصريح ولكن على وجه أوضح فإن قوله تعالى { بأيكم المفتون } [ القلم : 6 ] لا تعيين فيه بوجه وهذا بدل هو أعلم بالمجنون وبالعاقل يدل على أن الجنون بهذا الاعتبار لا بما توهموه وثبت لهم صرف الضلال في عين هذا الزعم وعلى الثاني هو تذييل أيضاً ولكن على سبيل التصريح لأن بمن ضل أقيم مقام بهم وبالمهتدين أقيم مقام بكم ولعل ماعتبرناه أملا بالفائدة وكأن تقديم الوعيد ليتصل بما أشعر به أولاً والتعبير في جانب الضلال بالفعل للإيماء بأنه خلاف ما تقتضيه الفطرة وزيادة هو أعلم لزيادة التقرير مع الإيذان باختلاف الجزاء .