في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا فَمَن يَأۡتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِينِۭ} (30)

وأخيرا يجيء الإيقاع الأخير في السورة يلمح لهم بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة ، وذلك بحرمانهم من سبب الحياة الأول وهو الماء :

( قل : أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ? ) . .

والماء الغور : الغائر الذاهب في الأرض لا يقدرون عليه . والمعين : النابع الفائض المتدفق . وهي لمسة قريبة في حياتهم ، إن كانوا ما يزالون يستبعدون ذلك اليوم ويشكون فيه . . والملك بيد الله وهو على كل شيء قدير . فكيف لو توجهت إرادته إلى حرمانهم مصدر الحياة القريب !

ثم يدعهم يتدبرون ما يكون لو أذن الله بوقوع هذا المحذور !

ختام السورة:

وهكذا تنتهي هذه السورة ، وينتهي هذا الحشد من الإيقاعات واللمسات ، وهذه الرحلات والجولات . في آفاق وأغوار وأبعاد مترامية الأطراف . وكل آية على وجه التقريب كانت إيقاعا خاصا . أو كانت رحلة في عالم مجهول مغيب ، أو منظور لا تلتفت إليه الأنظار والقلوب .

إنها سورة ضخمة . سورة أكبر من حجمها وحيزها وعدد آياتها . وكأنما هي سهام تشير إلى بعيد ، ويكاد كل سهم يستقل بكشف عالم جديد !

وهي تبني من قواعد التصور الإسلامي جوانب رئيسية هامة ؛ فهي تقر في الضمير حقيقة القدرة المطلقة ، وحقيقة الهيمنة المطلقة . وحقيقة الإبتلاء بالموت والحياة تمهيدا للحشر والجزاء . وحقيقة الكمال والجمال في صنعة الله . وحقيقة العلم المطلق بالسر والنجوى . وحقيقة مصدر الرزق . وحقيقة حفظ الله للخلائق ، وحضوره سبحانه - مع كل مخلوق . . . وجملة من هذه الحقائق التي يقوم عليها تصور المسلم لربه . وتصوره للوجود وارتباطه بخالق الوجود . هذا التصور الذي ينبثق منه منهج حياة المؤمن كله . مع ربه . ومع نفسه . ومع الناس . ومع الأحياء . ومع الكون كله من أحياء وأشياء . والذي يتكيف به شعوره وضميره وشخصيته وقيمه وموازينه ، واستقباله للحياة . . .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا فَمَن يَأۡتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِينِۭ} (30)

وقوله سبحانه : { قُلْ أَرَءيْتُمْ } أي أخبروني { إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً } أي غائراً ذاهباً في الأرض بالكلية وعن الكلبي لا تناله الدلاء وهو مصدر وصف به للمبالغة أو مؤول باسم الفاعل وأياً ما كان فليس المراد بالماء ماء معيناً وإن كانت الآية كما روى ابن المنذر والفاكهي عن ابن الكلبي نازلة في بئر زمزم وبئر ميمون بن الحضرمي { فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ } أي جار أو ظاهر سهل المأخذ لوصول الأيدي إليه وهو فعيل من معن أو مفعول من عين وعيد في الدنيا خاصة واردف الوعيد السابق به تنبيهاً بالأدنى على الأعلى وإنكم إذا لم تعبدوه عز وجل للحياة الباقية فاعبدوه للفانية وتليت هذه الآية عند بعض المستهزئين فلما سمع فمن يأتيكم الخ قال تجيء به الفؤس والمعاول فذهب ماء عينيه نعوذ بالله تعالى من الجراءة على الله جل جلاله وآياته وتفسير الآيات على هذا الطرز هو ما اختاره بعض الأئمة وهو أبعد مغزى من غيره والله تعالى أعلم بأسرار كلامه .