في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

والمقطع الثالث في هذا القطاع الأخير يتناول قضية البعث والنشور :

( أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين . وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه . قال : من يحيي العظام وهي رميم ? قل : يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم . الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون . أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ? بلى وهو الخلاق العليم . إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له : كن . فيكون ) . .

ويبدأ هذا المقطع بمواجهة الإنسان بواقعه هو ذاته في خاصة نفسه . وهذا الواقع يصور نشأته وصيرورته مما يراه واقعا في حياته ، ويشهده بعينه وحسه مكرراً معاداً . ثم لا ينتبه إلى دلالته ، ولا يتخذ منه مصداقاً لوعد الله ببعثه ونشوره بعد موته ودثوره . .

( أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ) . .

فما النطفة التي لا يشك الإنسان في أنها أصله القريب ? إنها نقطة من ماء مهين ، لا قوام ولا قيمة ! نقطة من ماء تحوي ألوف الخلايا . . خلية واحدة من هذه الألوف هي التي تصير جنينا . ثم تصير هذا الإنسان الذي يجادل ربه ويخاصمه ويطلب منه البرهان والدليل !

والقدرة الخالقة هي التي تجعل من هذه النطفة ذلك الخصيم المبين . وما أبعد النقلة بين المنشأ والمصير ! أفهذه القدرة يستعظم الإنسان عليها أن تعيده وتنشره بعد البلى والدثور ?

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ} (77)

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ( 77 ) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ( 78 ) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ( 79 ) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ } .

جاء أبيّ بن خلف وفي يده عظم رميم وهو يفُتّهُ ويذروه في الهواء ويقول : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما رمّ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم ويبعثك ويدخلك جهنم " فنزلت الآية { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ } أي من ماء قليل مستقذر خارج من الإحليل وهو قناة النجاسة { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } أي فإذا هو ظاهر الخصومة بالرغم من مهانة أصله وقذارة أوله ، ويجترئ على الجحود وإنكار البعث وإحياء الموتى بعد أن صاروا رفاتا ، وقد أتى عليهم البلى وهو قوله : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } .