في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ} (19)

وتنتهي الجولة على مصرع عاد وثمود . والإنذار بهذا المصرع المخيف المرهوب . ويتكشف لهم سلطان الله الذي لا ترده قوة ولا يعصم منه حصن ، ولا يبقي على مستكبر مريد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ} (19)

{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ الله إِلَى النار فَهُمْ يُوزَعُونَ }

لما فُرغ من موعظة المشركين بحال الأمم المكذبة من قبلهم وإنذارهم بعذاب يحلّ بهم في الدنيا كما حل بأولئك ليكون لهم ذلك عبرة فإن لاستحضار المثل والنظائر أثراً في النفس تعتبر به ما لا تعتبر بتوصف المعاني العقلية ، انتقل إلى إنذارهم بما سيحلّ بهم في الآخرة فجملة { ويَوْمَ نحشر أعداء الله } الآيات ، معطوفة على جملة { فَقُلْ أنذَرتُكُم صاعقة } [ فصلت : 13 ] الآيات . والتقدير : وأنذرهم يوم نحشر أعداء الله إلى النار . ودل على هذا المقدر قوله : { أنذَرتُكُم صاعقة الخ ، أي وأنذرهم يوم عقاب الآخرة .

وأعداء الله : هم مشركو قريش لأنهم أعداء رسوله قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } [ الممتحنة : 1 ] يعني المشركين لقوله بعده : { يخرجون الرسول وإياكم } [ الممتحنة : 1 ] ، ولأنها نزلت في قضية كِتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يعلمهم بتهيّؤ النبي صلى الله عليه وسلم لغزو مكة ولقوله في آخر هذه الآيات { ذلك جَزَاءُ أعْدَاءِ الله } [ فصلت : 28 ] بعد قوله { وقال الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لهذا القرآن والغَوا فِيهِ لَعَلَّكُم تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] . ولا يجوز أن يكون المراد ب { أعْدَاءَ الله } جميع الكفار من الأمم بحيث يدخل المشركون من قريش دخول البعض في العموم لأن ذلك المحمل لا يكون له موقع رشيق في المقام لأن الغرض من ذكر ما أصاب عاداً وثمود هو تهديد مشركي مكة بحلول عذاب مثله في الدنيا لأنهم قد علموه ورأوا آثاره فللتهديد بمثله موقع لا يسعهم التغافل عنه ، وأما عذاب عاد وثمود في الآخرة فهو موعود به في المستقبل وهم لا يؤمنون به فلا يناسب أن يجعل موعظة لقريش بل الأجدر أن يقع إنذار قريش رأساً بعذاب يعذَّبونه في الآخرة ، ولذلك أطيل وصفه لتهويله ما لم يُطل بمثله حينَ التعرض لِعذاب عاد في الآخرة بقوله : { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أخزى } [ فصلت : 16 ] المكتفى به عن ذكر عذاب ثمود . ولهذا فليس في قوله : { أَعْدَاءَ الله } إظهار في مقام الإِضمار من ضمير عاد وثمود .

ويجوز أن يكون { ويَوْمَ نحشر أعْدَاءَ الله } مفعولاً لفعل ( واذكر ) محذوفاً مثل نظائره الكثيرة . والحشر : جمع الناس في مكَان لمقصد .

ويتعلق قوله : { إلى النَّارِ } ب { نَحْشر } لتضمين { نحشر } معنى : نرسل ، أي نرسلهم إلى النار .

والفاء في قوله : { فَهُمْ يُوزَعُونَ } عطف وتفريع على { نحشر } لأن الحشر يقتضي الوزْع إذ هو من لوازمه عُرفاً ، إذ الحشر يستلزم كثرة عدد المحشورين وكثرةُ العدد تستلزم الاختلاط وتداخل بعضهم في بعض فلا غنى لهم عن الوزع لتصفيفهم ورَدِّ بعضهم عن بعض . والوزْع : كفّ بعضهم عن بعض ومنعهم من الفوضى ، وتقدم في سورة النمل ( 17 ) ، وهو كناية عن كثرة المحشورين .

وقرأ نافع ويعقوب { نَحشر } بنون العظمة مبنياً للفاعل ونصب { أَعْدَاءَ } . وقرأه الباقون بياء الغائب مبنياً للنائب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ} (19)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ويوم يجمع هؤلاء المشركون أعداء الله إلى النار، إلى نار جهنم، فهم يحبس أوّلهم على آخرهم... عن السديّ:"فَهُمْ يُوزَعُونَ" قال: يحبس أوّلهم على آخرهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فَهُمْ يُوزَعُونَ}... قال بعضهم: يوزعون أي يُدفعون كقوله تعالى: {يوم يدعّون إلى نار جهنم دعًّا} [الطور: 13]. والوزع: الدّفع.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{يُوزَعُونَ}: يحبس أوّلهم على آخرهم: يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم، وهي عبارة عن كثرة أهل النار، نسأل الله أن يجيرنا منها بسعة رحمته.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما بين كيفية عقوبة أولئك الكفار في الدنيا أردفه بكيفية عقوبتهم في الآخرة، ليحصل منه تمام الاعتبار في الزجر والتحذير...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما ذكر حالهم في الدنيا وأشار إلى حال الآخرة، أتبعه تفصيل ذلك فقال: {ويوم} أي اذكر أيام أعداء الله في الدنيا في إنزال عذابه بهم وإحلال مثلاته بساحاتهم، واذكر يوم يحشرون -هكذا كان الأصل، ولكنه بين ما عذبوا به ليعم كل من اتصف به من الأولين والآخرين فقال: {يحشر} أي يجمع بكثرة بأمر قاهر لا كلفة علينا فيه- هذا على قراءة الجماعة بالبناء للمفعول، وعلى قراءة ناقع ويعقوب بالنون مبنياً للفاعل يكون ناظراً إلى سياق "ونجينا "وفي كلتا القراءتين معنى العظمة فلذلك ناسبهما الاسم الأعظم الذي هو أعظم من مظهر العظمة الذي وقع الصرف عنه لما في ذكره من زيادة التوبيخ لهم والتهجين لفعلهم والتخسيس لعقولهم في قولهم: {أعداء الله} أي الملك الأعظم ولا يخفى إعرابه بحسب كل قراءة {إلى النار} دار الأشقياء.

{فهم} بسبب حشرهم {يوزعون} أي يدفعون ويرد بأيسر أمر أولهم على آخرهم، ومن يريد أن يعرج منهم يميناً أو شمالاً ظناً منه أنه قد يخفى بسبب كثرتهم ويزجرون زجر إهانة، ويجمع إليهم من شذ منهم، فإن كل شيء من ذلك نوع من العذاب.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء الله} والتعبيرُ عنهم بأعداءِ الله تعالى لذمِّهم والإيذانِ بعلةِ ما يحيقُ بهم منِ ألوانِ العذابِ، وقيلَ: المرادُ بهم الكفارُ من الأولينَ والآخرينَ ويردُّه ما سيأتِي من قولِه تعالى: {فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ منَ الجن والإنس} [سورة فصلت، الآية25.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وأعداء الله: هم مشركو قريش لأنهم أعداء رسوله... ولقوله في آخر هذه الآيات {ذلك جَزَاءُ أعْدَاءِ الله} [فصلت: 28] بعد قوله {وقال الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لهذا القرآن والغَوا فِيهِ لَعَلَّكُم تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]، ولا يجوز أن يكون المراد ب {أعْدَاءَ الله} جميع الكفار من الأمم بحيث يدخل المشركون من قريش دخول البعض في العموم؛ لأن ذلك المحمل لا يكون له موقع رشيق في المقام؛ لأن الغرض من ذكر ما أصاب عاداً وثمود هو تهديد مشركي مكة بحلول عذاب مثله في الدنيا؛ لأنهم قد علموه ورأوا آثاره، فللتهديد بمثله موقع لا يسعهم التغافل عنه، وأما عذاب عاد وثمود في الآخرة فهو موعود به في المستقبل وهم لا يؤمنون به فلا يناسب أن يجعل موعظة لقريش؛ بل الأجدر أن يقع إنذار قريش رأساً بعذاب يعذَّبونه في الآخرة، ولذلك أطيل وصفه لتهويله ما لم يُطل بمثله حينَ التعرض لِعذاب عاد في الآخرة بقوله: {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أخزى} [فصلت: 16] المكتفى به عن ذكر عذاب ثمود ولهذا فليس في قوله: {أَعْدَاءَ الله} إظهار في مقام الإِضمار من ضمير عاد وثمود.

ويجوز أن يكون {ويَوْمَ نحشر أعْدَاءَ الله} مفعولاً لفعل (واذكر) محذوفاً مثل نظائره الكثيرة. والحشر: جمع الناس في مكَان لمقصد.

ويتعلق قوله: {إلى النَّارِ} ب {نَحْشر} لتضمين {نحشر} معنى: نرسل، أي نرسلهم إلى النار.

والفاء في قوله: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} عطف وتفريع على {نحشر}؛ لأن الحشر يقتضي الوزْع إذ هو من لوازمه عُرفاً، إذ الحشر يستلزم كثرة عدد المحشورين وكثرةُ العدد تستلزم الاختلاط وتداخل بعضهم في بعض فلا غنى لهم عن الوزع لتصفيفهم ورَدِّ بعضهم عن بعض. والوزْع: كفّ بعضهم عن بعض ومنعهم من الفوضى.