في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولٗا} (94)

73

ولقد كانت الشبهة التي عرضت للأقوام من قبل أن يأتيهم محمد [ ص ] ومن بعد ما جاءهم ، والتي صدتهم عن الإيمان بالرسل وما معهم من الهدي ، أنهم استبعدوا أن يكون الرسول بشرا ؛ ولا يكون ملكا :

( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا : أبعث الله بشرا رسولا ? )

وقد نشأ هذا الوهم من عدم إدراك الناس لقيمة بشريتهم وكرامتها على الله ، فاستكثروا على بشر أن يكون رسولا من عند الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولٗا} (94)

وقوله تعالى : { وما منع الناس أن يؤمنوا } هذه الآية على معنى التوبيخ والتلهف من النبي عليه السلام والبشر ، كأنه يقول متعجباً منهم ما شاء الله كان ، ما نمنع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا هذه العلة النزرة{[7712]} والاستبعاد الذي لا يستند إلى حجة ، وبعثة البشر رسلاً غير بدع ولا غريب ، فيها يقع الإفهام والتمكن من النظر كما { لو كان في الأرض ملائكة } يسكنونها { مطمئنين } ، أي وادعين فيها مقيمين لكان الرسول إليهم من الملائكة ليقع الإفهام ، وأما البشر فلو بعث إليهم ملك لنفرت طباعهم من رؤيته ، ولم تحتمله أبصارهم ولا تجلدت له قلوبهم ، وإنما أراد الله جري أحوالهم على معتادها .


[7712]:التافهة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولٗا} (94)

بعد أن عُدّت أشكال عنادهم ومَظاهر تكذيبهم أعقبت ببيان العلة الأصلية التي تبعث على الجحود في جميع الأمم وهي توهمهم استحالة أن يبعث الله للناس برسالة بشراً مثلهم . فذلك التوهم هو مثار ما يأتونه من المعاذير ، فالذين هذا أصل معتقدهم لا يرجى منهم أن يؤمنوا ولو جاءتهم كل آية ، وما قصدهم من مختلف المقتَرحات إلا إرضاءُ أوهامهم بالتنصل من الدخول في الدين ، فلو أتاهم الرسول بما سألوه لانتقلوا فقالوا : إن ذلك سحر ، أو قلوبنا غلف ، أو نحو ذلك . ومع ما في هذا من بيان أصل كفرهم هو أيضاً رد بالخصوص لقولهم : { أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً } [ الإسراء : 92 ] ورد لقولهم : { أو ترقى في السماء } [ الإسراء : 93 ] إلى آخره .

وقوله : { إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولا } يقتضي بصريحه أنهم قالوا بألسنتهم وهو مع ذلك كناية عن اعتقادهم ما قالوه . ولذلك جعل قولهم ذلك مانعاً من أن يؤمنوا لأن اعتقاد قائليه يمنع من إيمانهم بضده ونطقهم بما يعتقدونه يمنع من يسمعونهم من متبعي دينهم .

وإلقاء هذا الكلام بصيغة الحصر وأداة العموم جعله تذييلاً لما مضى من حكاية تفننهم في أساليب التكذيب والتهكم .

فالظاهر حمل التعريف في { الناس } على الاستغراق . أي ما منع جميع الناس أن يؤمنوا إلا ذلك التوهم الباطل لأن الله حكى مثل ذلك عن كل أمة كذبت رسولها فقال حكاية عن قوم نوح { ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } [ المؤمنون : 24 ] . وحكى مثله عن هود { ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون } [ المؤمنون : 33 - 34 ] ، وعن قوم صالح { ما أنت إلا بشر مثلنا } سورة [ الشعراء : 154 ] ، وعن قوم شُعيب { وما أنت إلا بشر مثلنا } [ الشعراء : 186 ] ، وحكى عن قوم فرعون { قالوا أنؤمن لبشرين مثلنا } [ المؤمنون : 47 ] . وقال في قوم محمد { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب } [ ق : 2 ] .

وإذ شمل العموم كفار قريش أمر الرسول بأن يجيبهم عن هذه الشبهة بقوله : { لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين } الآية ، فاختص الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم باجتثاث هذه الشبهة من أصلها اختصاصاً لم يُلقنه من سَبق من الرسل ، فإنهم تلقوا تلك الشبهة باستنصار الله تعالى على أقوامهم فقال عن نوح { قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين } [ الشعراء : 118 ] .

وقال مثله عن هود وصالح ، وقال عن موسى وهارون ، { فكذبوهما فكانوا من المهلكين } [ المؤمنون : 48 ] ، فقد ادخر الله لرسوله قواطع الأدلة على إبطال الشرك وشبه الضلالة بما يناسب كونه خاتم الرسل ، ولهذا قال في خطبة حجّة الوداع : إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه قد رضي أن يطاع فيما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم .