اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولٗا} (94)

قوله : { وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا } الآية .

لمَّا حكى الله تعالى شبهة القوم في اقتراح المعجزات الزَّائدة ، وأجاب عنها حكى شبهة{[20711]} أخرى وهي أنهم استبعدوا أن يبعث الله للخلق رسولاً من البشرِ ، بل اعتقدوا أنَّ الله تعالى ، لو أرسل رسولاً إلى الخلق ، لكان ذلك الرسول من الملائكةِ ، وأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بوجوهٍ :

أحدها : قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى } .

وتقرير هذا الجواب : أنَّ بتقدير أن يبعث الله ملكاً رسولاً إلى الخلق ، فالخلق إنما يؤمنون بكونه رسولاً من عند الله ؛ لأجل قيام المعجزات الدالة على صدقه ؛ وذلك المعجز هو الذي يهديهم إلى معرفة صدق ذلك الملك في ادِّعاء رسالته ، فالمراد من قوله : { إِذْ جَآءَهُمُ الهدى } هو المعجز ، [ وإذا كان كذلك ، فنقول : لما كان الدليل على الصِّدق هو المعجز ]{[20712]} فقط فهذا المعجز سواءٌ ظهر على الملكِ ، أو على البشرِ ، وجب الإقرارُ برسالته ، فقولهم : " لا بُدَّ وأن يكون الرسول من الملائكة " : تحكم فاسد باطل .

والجواب الثاني عن شبهتهم ، وهي أنَّ أهل الأرض لو كانوا ملائكة ، لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة ؛ لأنّ الجنس إلى الجنس أميل ، فلما كان [ أهل الأرض ]{[20713]} من البشر ، فوجب أن يكون رسولهم من البشر ؛ وهذا هو المراد من قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً } [ الإسراء : 95 ] .

الجواب الثالث : قوله تعالى : { قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } .

وتقريره أنَّ الله تعالى ، لمَّا أظهر المعجزة على وفق دعواى ، كان ذلك شهادة من الله تعالى على كوني صادقاً ، ومن شهد الله على صدقه ، فهو صادق ، فقولكم بأنَّ الرسول يجب أن يكون ملكاً ، فذلك تحكُّم فاسدٌ ؛ لا يلتفت إليه . ولمَّا ذكر الله تعالى هذه الأجوبة الثلاثة ، أردفها بما يجري مجرى التهديد ، والوعيد ؛ فقال : { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } [ الإسراء : 96 ] . أي : يعلم ظواهرهم وبواطنهم ، ويعلم أنَّهم لا يذكرون هذه الشبهات إلا لمحض الحسد ، وحبِّ الرياسة .

قوله : { أَن يؤمنوا } : مفعولٌ ثانٍ ل " مَنَع " ، أي : ما منعهم إيمانهم ؛ و " أن قالوا " هو الفاعل ، و " إذْ " ظرف ل " مَنعَ " ، والتقدير : وما منع الناس من الإيمان وقت مجيء الهدى إيَّاهم إلا قولهم : أبعث الله .

وهذه الجملة المنفيَّة يحتمل أن تكون من كلام الله ، فتكون مستأنفة ، وأن تكون من كلام الرسول ، فتكون منصوبة المحلِّ ؛ لاندراجها تحت القول في كلتا القراءتين .

قوله : { بَشَراً رَّسُولاً } تقدَّم في نظيره وجهان ، وكذلك قوله { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً } .


[20711]:سقط من : أ.
[20712]:زيادة من ب.
[20713]:في أ: رسولهم.