قوله : { وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا } الآية .
لمَّا حكى الله تعالى شبهة القوم في اقتراح المعجزات الزَّائدة ، وأجاب عنها حكى شبهة{[20711]} أخرى وهي أنهم استبعدوا أن يبعث الله للخلق رسولاً من البشرِ ، بل اعتقدوا أنَّ الله تعالى ، لو أرسل رسولاً إلى الخلق ، لكان ذلك الرسول من الملائكةِ ، وأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بوجوهٍ :
أحدها : قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى } .
وتقرير هذا الجواب : أنَّ بتقدير أن يبعث الله ملكاً رسولاً إلى الخلق ، فالخلق إنما يؤمنون بكونه رسولاً من عند الله ؛ لأجل قيام المعجزات الدالة على صدقه ؛ وذلك المعجز هو الذي يهديهم إلى معرفة صدق ذلك الملك في ادِّعاء رسالته ، فالمراد من قوله : { إِذْ جَآءَهُمُ الهدى } هو المعجز ، [ وإذا كان كذلك ، فنقول : لما كان الدليل على الصِّدق هو المعجز ]{[20712]} فقط فهذا المعجز سواءٌ ظهر على الملكِ ، أو على البشرِ ، وجب الإقرارُ برسالته ، فقولهم : " لا بُدَّ وأن يكون الرسول من الملائكة " : تحكم فاسد باطل .
والجواب الثاني عن شبهتهم ، وهي أنَّ أهل الأرض لو كانوا ملائكة ، لوجب أن يكون رسولهم من الملائكة ؛ لأنّ الجنس إلى الجنس أميل ، فلما كان [ أهل الأرض ]{[20713]} من البشر ، فوجب أن يكون رسولهم من البشر ؛ وهذا هو المراد من قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً } [ الإسراء : 95 ] .
الجواب الثالث : قوله تعالى : { قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } .
وتقريره أنَّ الله تعالى ، لمَّا أظهر المعجزة على وفق دعواى ، كان ذلك شهادة من الله تعالى على كوني صادقاً ، ومن شهد الله على صدقه ، فهو صادق ، فقولكم بأنَّ الرسول يجب أن يكون ملكاً ، فذلك تحكُّم فاسدٌ ؛ لا يلتفت إليه . ولمَّا ذكر الله تعالى هذه الأجوبة الثلاثة ، أردفها بما يجري مجرى التهديد ، والوعيد ؛ فقال : { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } [ الإسراء : 96 ] . أي : يعلم ظواهرهم وبواطنهم ، ويعلم أنَّهم لا يذكرون هذه الشبهات إلا لمحض الحسد ، وحبِّ الرياسة .
قوله : { أَن يؤمنوا } : مفعولٌ ثانٍ ل " مَنَع " ، أي : ما منعهم إيمانهم ؛ و " أن قالوا " هو الفاعل ، و " إذْ " ظرف ل " مَنعَ " ، والتقدير : وما منع الناس من الإيمان وقت مجيء الهدى إيَّاهم إلا قولهم : أبعث الله .
وهذه الجملة المنفيَّة يحتمل أن تكون من كلام الله ، فتكون مستأنفة ، وأن تكون من كلام الرسول ، فتكون منصوبة المحلِّ ؛ لاندراجها تحت القول في كلتا القراءتين .
قوله : { بَشَراً رَّسُولاً } تقدَّم في نظيره وجهان ، وكذلك قوله { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.