البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولٗا} (94)

الظاهر أن قوله : { وما منع الناس } إخبار من الله تعالى عن السبب الضعيف الذي منعهم من الإيمان ، إذ ظهر لهم المعجز وهو استبعاد أن يبعث الله رسولاً إلى الخلق واحداً منهم ولم يكن ملكاً ، وبعد أن ظهر المعجز فيجب الإقرار والاعتراف برسالته فقولهم : لا بد أن يكون من الملائكة تحكم فاسد ، ويظهر من كلام ابن عطية أن قوله { وما منع الناس } هو من قول الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذه الآية على معنى التوبيخ والتلهف من النبيّ عليه الصلاة والسلام كأنه يقول متعجباً منهم ما شاء الله كان { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلاّ } هذه العلة النزرة والاستبعاد الذي لا يسند إلى حجة ، وبعثة البشر رسلاً غير بدع ولا غريب فيها يقع الإفهام والتمكن من النظر كما لو كان في الأرض ملائكة يسكنونها مطمئنين لكان الرسول إليهم من الملائكة ليقع الإفهام ، وأما البشر فلو بعث إليهم ملك لنفرت طبائعهم من رؤيته ولم تحتمله أبصارهم ولا تجلدت له قلوبهم ، وإنما الله أجرى أحوالهم على معتادها انتهى .

و { أن يؤمنوا } في موضع نصب و { أن قالوا } : في موضع رفع ، و { إذ } ظرف العامل فيه منع والناس كفار قريش القائلون تلك المقالات السابقة و { الهدى } هو القرآن ومن جاء به ، وليس المراد مجرد القول بل قولهم الناشئ عن اعتقاد والهمزة في { أبعث } للإنكار و { رسولاً } ظاهره أنه نعت ، ويجوز أن يكون { رسولاً } مفعول بعث ، و { بشراً } حال متقدمة عليه أي { أبعث الله رسولاً } في حال كونه { بشراً } ، وكذلك يجوز في قوله { ملكاً رسولاً } أي { لنزلنا عليهم من السماء } { رسولاً } في حال كونه { ملكاً } .