و{ اقنتي } معناه اعبدي وأطيعي ، قاله قتادة والحسن ، وروى أبو سعيد الخدري ، عن النبي عليه السلام قال :< كل قنوت في القرآن فهو بمعنى طاعة الله{[3167]}> ويحتمل أن يكون معناه ، أطيلي القيام في الصلاة ، وهذا هو قول الجمهور ، وهو المناسب في المعنى لقوله : { واسجدي واركعي } وبه قال مجاهد ، وابن جريج ، والربيع وروى مجاهد أنها لما خوطبت بهذا ، قامت حتى ورمت قدماها{[3168]} ، وروى الأوزاعي ، أنها قامت حتى سال الدم والقيح من قدميها ، وروي أن الطير كانت تنزل على رأسها ، تظنها جماداً لسكونها في طول قيامها ، وقال سعيد بن جبير ، { اقنتي لربك } ، معناه أخلصي لربك ، واختلف المتأولون ، لم قدم السجود على الركوع ؟ فقال قوم : كان ذلك في شرع زكرياء وغيره منهم وقال قوم : الواو لا تعطي رتبة ، وإنما المعنى ، افعلي هذا وهذا ، وقد علم تقديم الركوع ، وهذه الآية أكثر إشكالاً من قولنا ، قام زيد وعمرو ، لأن قيام زيد وعمرو ليس له رتبة معلومة ، وهذه الآية قد علم أن السجود بعد الركوع ، فكيف جاءت الواو بعكس ذلك{[3169]} ، فالقول عندي في ذلك ، أن مريم أمرت بفصلين ومعلمين من معالم الصلاة ، وهما طول القيام والسجود ، وخصا بالذكر لشرفهما في أركان الصلاة ، وإذا العبد يقرب في وقت سجوده من الله تعالى : وهذان يختصان بصلاتها مفردة ، وإلا فيمن يصلي وراء إمام ، فليس يقال له أطل قيامك ، ثم أمرت -بعد - بالصلاة في الجماعة ، فقيل لها ، { واركعي مع الراكعين } وقصد هنا معلم من معالم الصلاة ، لئلا يتكرر لفظ ، ولم يرد بالآية السجود والركوع ، الذي هو منتظم في ركعة واحدة والله أعلم .
إعادةُ النداء في قول الملائكة : { يا مريم اقنتي } لقصد الإعجاب بحالها ، لأنّ النداء الأول كفى في تحصيل المقصود من إقبالها لسماع كلام الملائكة ، فكان النداء الثاني مستعملاً في مجرّد التنبيه الذي ينتقل منه إلى لازمِه وهو التنويه بهذه الحالة والإعجاب بها ، ونظيره قول امرىء القيس :
تقول وقد مال الغَبيط بنا معَا *** عقرتَ بعيري يا امرأ القيس فانْزِل
( فهو مستعمل في التنبيه المنتقل منه إلى التوبيخ ) .
والقنوت ملازمة العبادة ، وتقدم عند قوله تعالى : { وقوموا للَّه قانتين } في سورة [ البقرة : 238 ] .
وقدم السجود ، لأنّه أدخل في الشكر والمقَام هنا مقام شكر .
وقوله : { مع الراكعين } إذن لها بالصلاة مع الجماعة ، وهذه خصوصية لها من بين نساء إسرائيل إظهاراً لمعنى ارتفاعها عن بقية النساء ، ولذلك جيء في الراكعين بعلامة جمع التذكير .
وهذا الخطاب مقدمة للخطاب الذي بعده وهو { يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه } [ آل عمران : 45 ] لقصد تأنيسها بالخبر الموالي لأنه لما كان حاصله يَجلب لها حَزناً وسوء قالة بين الناس ، مهّد له بما يجلب إليها مَسرّة ، ويوقنها بأنّها بمحل عناية الله ، فلا جرم أن تعلم بأنّ الله جاعل لها مخرجاً وأنّه لا يخزيها .
وقوله : { وما كنت لديهم } إيماء إلى خلوّ كتبهم عن بعض ذلك ، وإلاّ لقال : وما كنت تتلو كُتبهم مثل : « وما كنت تتلو من قبله من كتاب » أي إنّك تخبرهم عن أحوالهم كأنّك كنت لديهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.