في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مِثۡلَ دَأۡبِ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعِبَادِ} (31)

21

( وما الله يريد ظلماً للعباد )إنما يأخذهم بذنوبهم ، ويصلح من حولهم ومن بعدهم بأخذهم بأيام الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مِثۡلَ دَأۡبِ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعِبَادِ} (31)

والدأب . العادة .

وقوله : { وما الله يريد ظلماً للعباد } أي من نفسه أن يظلمهم هو عز وجل ، فالإرادة هنا على بابها ، لأن الظلم منه لا يقع البتة ، وليس معنى الآية أن الله لا يريد ظلم بعض العباد لبعض ، والبرهان وقوعه ، ومحال أن يقع ما لا يريده الله تعالى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مِثۡلَ دَأۡبِ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعِبَادِ} (31)

الدأْب : العادة والعمل الذي يدأب عليه عامله ، أي يلازمه ويكرره ، وتقدم في قوله تعالى : { كدأب آل فرعون } في أول [ آل عمران : 11 ] .

وانتصب { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ } على عطف البيان من { مِثلَ يَوْممِ الأحزابِ } ولما كان بياناً له كان ما يضافان إليه متحداً لا محالة فصار الأحزاب و ( الدأب ) في معنى واحد وإنما يتم ذلك بتقدير مضاف متحد فيهما ، فالتقدير : مثلَ يوممِ جزاء الأحزاب . مثلَ يوممِ جزاء دأب قوم نوح وعاد وثمود ، أي جزاء عملهم . ودأبُهم الذي اشتركوا فيه هو الاشراك بالله .

وهذا يقتضي أن القبط كانوا على علم بما حلّ بقوم نوح وعاد وثمود ، فأما قوم نوح فكان طوفانهم مشهوراً ، وأما عاد وثمود فلقرب بلادهم من البلاد المصرية وكان عظيماً لا يخفى على مجاوريهم .

وجملة { وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمَاً لِلْعِبَادِ } معترضة ، والواو اعتراضية وهي اعتراض بين كلاميه المتعاطفين ، أي أخاف عليكم جزاءً عادلاً من الله وهو جزاء الإشراك .

والظلم يطلق على الشرك { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] ، ويطلق على المعاملة بغير الحق ، وقد جمع قوله : { وما الله يريد ظلماً للعباد } نفي الظلم بمعنييه على طريقة استعمال المُشترك في معنييه . وكذلك فعل { يريد } يطلق بمعنى المشيئة كقوله : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } [ المائدة : 6 ] ويطلق بمعنى المحبة كقوله : { ما أريد منهم من رزق } [ الذاريات : 57 ] ، فلما وقع فعل الإِرادة في حيّز النفي اقتضى عموم نفي الإِرادة بمعنييها على طريقة استعمال المشترك في معنييه ، فالله تعالى لا يحب صدور ظلم من عباده ولا يشاء أن يَظلِم عبادَه .

وأول المعنيين في الإِرادة وفي الظلم أعلق بمقام الإِنذار ، والمعنى الثاني تابع للأَول لأنه يدل على أن الله تعالى لا يترك عقاب أهل الشرك لأنه عَدْل ، لأن التوعد بالعقاب على الشرك والظلمِ أقوى الأسباب في إقلاع الناس عنه ، وصدق الوعيد من متممات ذلك مع كونه مقتضى الحكمة لإِقامة العدل .

وتقديم اسم { اللَّهُ } على الخبر الفعلي لإِفادة قصر مدلول المسند على المسند إليه ، وإذ كان المسند واقعاً في سياق النفي كان المعنى : قصر نفي إرادة الظلم على الله تعالى قصرَ قلب ، أي الله لا يريد ظلماً للعباد بل غيره يريدونه لهم وهم قادة الشرك وأيمتُه إذ يدعونهم إليه ويَزعمون أن الله أمرهم به قال تعالى : { وإذ فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء } [ الأعراف : 28 ] .

هذا على المعنى الأول للظلم ، وأما على المعنى الثاني فالمعنى : ما الله يريد أن يَظلم عبادَه ولكنهم يظلمون أنفسهم باتباع أيمتهم على غير بصيرة كقوله تعالى : { إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون } [ يونس : 44 ] وبظلمهم دعاتهم وأيمتهم كما قال تعالى : { وما زادوهم غير تتبيب } [ هود : 101 ] ، فلم يَخْرُج تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في سياق النفي في هذه الآية عن مهيع استعماله في إفادة قصر المسند على المسند إليه فتأمله .