ولقد ظلموا فكانوا مستحقين للعذاب أو الهلاك كالقرى قبلهم . لولا أن الله قدر إمهالهم إلى موعدهم ، لحكمة اقتضتها إرادته فيهم ، فلم يأخذهم أخذ القرى ؛ بل جعل لهم موعدا آخر لا يخلفونه :
( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا . وجعلنا لمهلكهم موعدا ) . .
فلا يغرنهم إمهال الله لهم ، فإن موعدهم بعد ذلك آت . وسنة الله لا تتخلف . والله لا يخلف الميعاد . .
ثم عقب تعالى توعدهم بذكر الأمثلة من القرى التي نزل بها ما توعد هؤلاء بمثله ، وفي قوله { وتلك القرى } حذف مضاف تقديره { وتلك } أهل { القرى } يدل على ذلك قوله { أهلكناهم } فرد الضمير على أهل القرى ، و { القرى } : المدن ، وهذه الإشارة إلى عاد وثمود ومدين وغيرهم . { وتلك } ابتداء ، و { القرى } صفته ، و { أهلكناهم } خبر ، ويصح أن يكون { تلك } منصوباً بفعل يدل عليه { أهلكناهم } . وقرأ الجمهور «لَمُهلكهم » بضم الميم وفتح اللام ، من أهلك ، ومفعل في مثل هذا يكون لزمن الشيء ، ولمكانه ، ويكون مصدراً فالمصدر على هذا مضاف إلى المفعول ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «لَمَهلكهم » بفتح الميم واللام وقرأ في رواية حفص «لِمَهلكهم » بفتح الميم وكسر اللام ، وهو مصدر من هلك ، وهو في مشهور اللغة غير متعد ، فالمصدر على هذا مضاف إلى الفاعل ، لأنه بمعنى : وجعلنا لأن هلكوا موعداً ، وقالت فرقة إن هلك يتعدى ، تقول أهلكت الرجل وهلكته بمعنى واحد ، وأنشد أبو علي في ذلك : [ الرجز ]
ومَهْمَهٍ هالك من تعرجا{[7840]} . . . فعلى هذا يكون المصدر في كل وجه مضافاً إلى المفعول .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا} بالعذاب في الدنيا، يعني: أشركوا،
{وجعلنا لمهلكهم} بالعذاب، {موعدا}، يعني: ميقاتا، وهكذا وقت هلاك كفار مكة ببدر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وتلك القُرى من عاد وثمود وأصحاب الأيكة أهلكنا أهلها لما ظلموا، فكفروا بالله وآياته،"وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدا" يعني ميقاتا وأجلاً، حين بلغوه جاءهم عذاب فأهلكناهم به، يقول: فكذلك جعلنا لهؤلاء المشركين من قومك يا محمد الذين لا يؤمنون بك أبدا موعدا، إذا جاءهم ذلك الموعد أهلكناهم، سنتنا في الذين خلوا من قبلهم من ضربائهم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وتلك أصحاب القرى أهلكناهم {لَمَّا ظَلَمُواْ} مثل ظلم أهل مكة {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} وضربنا لإهلاكهم وقتاً معلوماً لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر. والمهلك: الإهلاك ووقته.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
وفي ضمن هذا الإخبار تهديد لكفار قريش.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت هذه سنته في القرون الماضية والأمم الخالية، قال تعالى عاطفاً على قوله "لهم موعد "مروعاً لهم بالإشارة إلى ديارهم المصورة لدمارهم: {وتلك القرى} أي الماضية من عاد وثمود ومدين وقوم لوط وأشكالهم {أهلكناهم} أي حكمنا بإهلاكهم بما لنا من العظمة {لما ظلموا} أي أول ما ظلموا، أو أهلكناهم بالفعل حين ظلمهم لكن لا في أوله، بل أمهلناهم إلى حين تناهيه وبلوغه الغاية، فليحذر هؤلاء مثل ذلك {وجعلنا} أي بما لنا من العظمة {لمهلكهم} أي إهلاكهم بالفعل {موعداً} أي وقتاً نحله بهم فيه ومكاناً لم نخلفه، كما أنا جعلنا لهؤلاء موعداً في الدنيا بيوم بدر والفتح وحنين ونحو ذلك، وفي الآخرة لن نخلفه، وكذا كل أمر يقوله نبي من الأنبياء عنا لا يقع فيه خلف وإن كان يجوز لنا ذلك، بخلاف ما يقوله من نفسه غير مسند إلينا فإنه يمكن وقوع الخلف فيه، كما وقع في الوعد بالإخبار عن هذه المسائل التخلف أربعين ليلة أو ما دونها على حسب فهمهم أن {غدا} على حقيقته.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
بعد أن أزيل غرُورهم بتأخر العذاب، وأبطل ظنهم الإفلات منه ببيان أن ذلك إمهال من أثر رحمة الله بخلقه، ضرب لهم المثل في ذلك بحال أهل القرى السالفين الذين أُخر عنهم العذاب مدة ثم لم ينجوا منه بأخَرة، فالجملة معطوفة على جملة {بل لهم موعد} [الكهف: 58].
والإشارة ب تلك إلى مقدر في الذهن، وكاف الخطاب المتصلة باسم الإشارة لا يراد به مخاطب ولكنها من تمام اسم الإشارة، وتجري على ما يناسب حال المخاطب بالإشارة من واحد أو أكثر، والعرب يعرفون ديار عاد وثمود ومدين ويسمعون بقوم لوط وقوم فرعون فكانت كالحاضرة حين الإشارة.
والظلم: الشرك وتكذيب الرسل. والمُهلك بضم الميم وفتح اللام مصدر ميمي من أهلك، أي جعلنا لإهلاكنا إياهم وقتاً معيناً في علمنا إذا جاء حلَّ بهم الهلاك. هذه قراءة الجمهور. وقرأه حفص عن عاصم بفتح الميم وكسر اللام على أنه اسم زمان على وزن مَفعل. وقرأه أبو بكر عن عاصم بفتح الميم وفتح اللام على أنه مصدر ميمي لِهَلَك.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وأخيراً تنتهي هذه المجموعة مِن الآيات إلى توجيه التحذير الأخير مِن خلال التذكير بالعاقبة المؤلمة المرَّة لِمن ظَلَمَ مِن السابقين ليكون مصيرهم عبرة لمن يسمع، فتقول: إِنَّ هذه المدن والقرى أمامكم، ولكم أن تشاهدوا خرائبها والدمار الذي حلَّ فيها، وقد أهلكنا أهلها بما ارتكبوا مِن ظلم، في نفس الوقت الذي لم نعجّل فيه لهم العذاب، بل جعلنا موعداً لِمهلكهم: (وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا وجعلنا لِمهلكهم موعداً)...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.