في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانٗا قَصِيّٗا} (22)

16

ثم تمضي القصة في مشهد جديد من مشاهدها ؛ فتعرض هذه العذراء الحائرة في موقف آخر أشد هولا :

( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا . فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ؛ قالت : يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) . .

وهذه هي الهزة الثالثة . .

إن السياق لا يذكر كيف حملته ولا كم حملته . هل كان حملا عاديا كما تحمل النساء وتكون النفخة قد بعثت الحياة والنشاط في البويضة فإذا هي علقة فمضغة فعظام ثم تكسى العظام باللحم ويستكمل الجنين أيامه المعهودة ? إن هذا جائز . فبويضة المرأة تبدأ بعد التلقيح في النشاط والنمو حتى تستكمل تسعة أشهر قمرية ، والنفخة تكون قد أدت دور التلقيح فسارت البويضة سيرتها الطبيعية . . كما أنه من الجائز في مثل هذه الحالة الخاصة أن لا تسير البويضة بعد النفخة سيرة عادية ، فتختصر المراحل اختصارا ؛ ويعقبها تكون الجنين ونموه واكتماله في فترة وجيزة . . ليس في النص ما يدل على إحدى الحالتين . فلا نجري طويلا وراء تحقيق القضية التي لا سند لنا فيها . . . فلنشهد مريم تنتبذ مكانا قصيا عن أهلها ، في موقف أشد هولا من موقفها الذي أسلفنا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانٗا قَصِيّٗا} (22)

وروي أن جبريل عيله السلام حين قاولها هذه المقاولة «نفخ في جيب درعها » فسرت النفخة بإذن الله حتى حملت منه قاله وهب بن منبه وغيره ، وقال ابن جريح : نفخ في جيب درعها وكمها وقال أبي بن كعب «دخل الروح المنفوخ من فمها » فذلك قوله تعالى : { فحملته } أي حملت الغلام . ويذكر أنها كانت بنت ثلاث عشرة سنة ، فلما أحست بذلك وخافت تعنيف الناس وأن يظن بها الشر { انتبذت به } أي تنحت { مكاناً } بعيداً حياء وفراراً على وجهها ، وروي في هذا أنها فرت الى بلاد مصر أو نحوها قال وهب بن منبه ، وروي أيضاً أنها خرجت الى موضع يعرف ( ببيت لحم ) بينه وبين أيلياء أربعة أميال .