في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَبۡطِشُ ٱلۡبَطۡشَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} (16)

وقوله عز وجل : ( يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ) . . فسر ذلك ابن مسعود - رضي الله عنه - بيوم بدر . وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود . رضي الله عنه ، وجماعة عنه على تفسير الدخان بما تقدم وروي أيضاً عن ابن عباس - رضي الله عنهما - من رواية العوفي عنه وأبي بن كعب - رضي الله عنه - وهو محتمل : والظاهر أن ذلك يوم القيامة . وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضاً . قال ابن جرير : حدثني يعقوب . حدثنا ابن علية . حدثنا خالد الحذاء . عن عكرمة قال : قال ابن عباس - رضي الله عنهما - قال ابن مسعود - رضي الله عنه - البطشة الكبرى يوم بدر . وأنا أقول : هي يوم القيامة . وهذا إسناد صحيح عنه . وبه يقول الحسن البصري وعكرمة في أصح الروايتين عنه ، والله أعلم " . . انتهى كلام ابن كثير . .

ونحن نختار قول ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير الدخان بأنه عند يوم القيامة ، وقول ابن كثير في تفسيره . فهو تهديد له نظائره الكثيرة في القرآن الكريم ، في مثل هذه المناسبة . ومعناه : إنهم يشكون ويلعبون . فدعهم وارتقب ذلك اليوم المرهوب . يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس . ووصف هذا بأنه عذاب أليم . وصور استغاثتهم : ( ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) . . ورده عليهم باستحالة الاستجابة ، فقد مضى وقتها : ( أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ) . . يعلمه ذلك الغلام الأعجمي ! وهو - كما زعموا - مجنون . .

وفي ظل هذا المشهد الذي يرجون فيه كشف العذاب فلا يجابون يقول لهم : إن أمامكم فرصة بعد لم تضع ، فهذا العذاب مؤخر عنكم قليلاً وأنتم الآن في الدنيا . وهو مكشوف عنكم الآن فآمنوا كما تعدون أن تؤمنوا في الآخرة فلا تجابون . وأنتم الآن في عافية لن تدوم . فإنكم عائدون إلينا ( يوم نبطش البطشة الكبرى ) . . يوم يكون ذلك الدخان الذي شهدتم مشهده في تصوير القرآن له . ( إنا منتقمون )من هذا اللعب الذي تلعبون ، وذلك البهت الذي تبهتون به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إذ تقولون عنه : ( معلم مجنون ) . . وهو الصادق الأمين . .

بهذا يستقيم تفسير هذه الآيات ، كما يبدو لنا ، والله أعلم بما يريد .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَبۡطِشُ ٱلۡبَطۡشَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} (16)

قوله تعالى : { يوم نبطش البطشة الكبرى } وهو يوم بدر ، { إنا منتقمون } وهذا قول ابن مسعود وأكثر العلماء ، وقال الحسن : يوم القيامة ، وروى عكرمة ذلك عن ابن عباس .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَبۡطِشُ ٱلۡبَطۡشَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} (16)

قوله تعالى : " يوم " محمول على ما دل عليه " منتقمون " ، أي ننتقم منهم يوم نبطش . وأبعده بعض النحويين بسبب أن ما بعد " إن " لا يفسر ما قبلها . وقيل : إن العامل فيه " منتقمون " . وهو بعيد أيضا ؛ لأن ما بعد " إن " لا يعمل فيما قبلها . ولا يحسن تعلقه بقوله : " عائدون " ولا بقوله : " إنا كاشفوا العذاب " ؛ إذ ليس المعنى عليه . ويجوز نصبه بإضمار فعل ، كأنه قال : ذكرهم أو أذكر . ويجوز أن يكون المعنى فإنهم عائدون ، فإذا عدتم أنتقم منكم يوم نبطش البطشة الكبرى . ولهذا وصل هذا بقصة فرعون ، فإنهم وعدوا موسى الإيمان إن كشف عنهم العذاب ، ثم لم يؤمنوا حتى غرقوا . وقيل : " إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون " كلام تام . ثم ابتدأ : " يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون " أي ننتقم من جميع الكفار . وقيل : المعنى وارتقب الدخان وارتقب يوم نبطش ، فحذف واو العطف ، كما تقول : اتق النار اتق العذاب . و " البطشة الكبرى " في قول ابن مسعود : يوم بدر . وهو قول ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد والضحاك . وقيل : عذاب جهنم يوم القيامة ، قاله الحسن وعكرمة وابن عباس أيضا ، واختاره الزجاج . وقيل : دخان يقع في الدنيا ، أو جوع أو قحط يقع قبل يوم القيامة . الماوردي : ويحتمل أنها قيام الساعة ؛ لأنها خاتمة بطشاته في الدنيا . ويقال : انتقم الله منه ، أي عاقبه . والاسم منه النقمة{[13715]} والجمع النقمات . وقيل بالفرق بين النقمة والعقوبة ، فالعقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة . والنقمة قد تكون قبلها . قاله ابن عباس . وقيل : العقوبة ما تقدرت والانتقام غير مقدر .


[13715]:في كتب اللغة:" النقمة بالكسر والفتح وكفرحة جمع نقم ككلم وعنب وكلمات".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَبۡطِشُ ٱلۡبَطۡشَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} (16)

ولما كان اليوم قد يراد به الزمن المجتمع في حكم من الأحكام ، وكان زمان الدخان [ إن-{[57387]} ] كان المراد به القحط الذي كان قبل يوم بدر أو{[57388]} ما يقرب من الساعة يسمى{[57389]} يوماً واحداً لاتحاد ذلك الحكم ، أبدل من { يوم الدخان } قوله تهديداً بشق الأكباد : { يوم نبطش } أي بما لنا من العظمة ، والبطش : الأخذ بقوة{[57390]} { البطشة الكبرى } [ أي-{[57391]} ] التي تنحل لها عراهم وتنخل بها{[57392]} عزائمهم وقواهم ولا يحتملها حقائقهم ولا مناهم ، سواء كانت البطشة يوم بدر أو غيره فيخسر{[57393]} هنالك من كشف حال الابتلاء عن طغيانه ، وتمرده على ربه وعصيانه ، ويجوز أن يكون هذا ظرفاً لعائدون . ولما كان ما له سبحانه من الحلم وطول الإمهال موجباً لأهل البلادة والغلظة الشك في وعيده ، قال مؤكداً { إنا منتقمون * } أي ذلك صفة ثابتة لم نزل نفعلها بأعدائنا لنسر أضدادهم في أوليائنا .


[57387]:زيد من مد.
[57388]:من مد، وفي الأصل و ظ"و".
[57389]:من ظ ومد، وفي الأصل: سيجى-كذا.
[57390]:من مد، وفي الأصل و ظ: بالقوة.
[57391]:زيد من ظ ومد.
[57392]:ليس في ظ ومد.
[57393]:من ظ ومد، وفي الأصل: فيسر.