وها هي ذي امرأة فرعون ، لم يصدها طوفان الكفر الذي تعيش فيه . . في قصر فرعون . . عن طلب النجاة وحدها . . وقد تبرأت من قصر فرعون طالبة إلى ربها بيتا في الجنة . وتبرأت من صلتها بفرعون فسألت ربها النجاة منه . وتبرأت من عمله مخافة أن يلحقها من عمله شيء وهي ألصق الناس به : ( ونجني من فرعون وعمله ) . . وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم : ( ونجني من القوم الظالمين ) . .
ودعاء امرأة فرعون وموقفها مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صورة . فقد كانت امرأة فرعون أعظم ملوك الأرض يومئذ . في قصر فرعون أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي . . ولكنها استعلت على هذا بالإيمان . ولم تعرض عن هذا العرض فحسب ، بل اعتبرته شرا ودنسا وبلاء تستعيذ بالله منه . وتتفلت من عقابيله ، وتطلب النجاة منه !
وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية . . وهذا فضل آخر عظيم . فالمرأة - كما أسلفنا - أشد شعورا وحساسية بوطأة المجتمع وتصوراته . ولكن هذه المرأة . . وحدها . . في وسط ضغط المجتمع ، وضغط القصر ، وضغط الملك ، وضغط الحاشية ، والمقام الملوكي . في وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء . . وحدها . . في خضم هذا الكفر الطاغي !
وهي نموذج عال في التجرد لله من كل هذه المؤثرات وكل هذه الأواصر ، وكل هذه المعوقات ، وكل هذه الهواتف . ومن ثم استحقت هذه الإشارة في كتاب الله الخالد . الذي تتردد كلماته في جنبات الكون وهي تتنزل من الملأ الأعلى . .
ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً فقال : { وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون } وهي آسية بنت مزاحم . قال المفسرون : لما غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون ، ولما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس . قال سلمان : كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة . { إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة } فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته . وفي القصة : أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها ، فلما أتوها بالصخرة قالت : رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ، فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء ، وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ، ولم تجد ألماً . وقال الحسن وابن كيسان : رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب . { ونجني من فرعون وعمله } قال مقاتل : { وعمله } يعني الشرك . وقال أبو صالح عن ابن عباس { وعمله } قال : جماعه . { ونجني من القوم الظالمين } الكافرين .
وقوله { رب ابن لي عندك بيتا في الجنة } قيل ان فرعون لما تبين له اسلامها وتدها على الأرض بأربعة أوتاد على يديها ورجليها فقالت وهي تعذب { رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله } أي تعذيبه اياي وهذا بيان أنها لم تمل الى معصيته مع شدة ما قاست من العذاب وكذا فليكن صوالح النساء وأمر لعائشة وحفصة أن يكونا كآسية وكمريم بنت عمران
قوله تعالى : " وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون " واسمها آسية بنت مزاحم . قال يحيى بن سلام : قوله " ضرب الله مثلا للذين كفروا " مثل ضربه الله يحذر به عائشة وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ضرب لهما مثلا بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ؛ ترغيبا في التمسك بالطاعة والثبات على الدين . وقيل : هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة ، أي لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون . وكانت آسية آمنت بموسى . وقيل : هي عمة موسى آمنت به . قال أبو العالية : اطلع فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم : ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها . فقال لهم : إنها تعبد ربا غيري . فقالوا له : أقتلها . فأوتد لها أوتادا وشد يديها ورجليها فقالت : " رب ابن لي عندك بيتا في الجنة " ووافق ذلك حضور فرعون ، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة . فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها ! إنا نعذبها وهي تضحك ؛ فقبض روحها . وقال سلمان الفارسي فيما روى عنه عثمان النهدي : كانت تعذب بالشمس ، فإذا أذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها . وقيل : سمر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى ؛ فأطلعها الله . حتى رأت مكانها في الجنة . وقيل : لما قالت : " رب ابن لي عندك بيتا في الجنة " أريت بيتها في الجنة يبنى . وقيل : إنه من درة ، عن الحسن . ولما قالت : " ونجني " نجاها الله أكرم نجاة ، فرفعها إلى الجنة ، فهي تأكل وتشرب وتتنعم . " من فرعون وعمله " تعني بالعمل الكفر . وقيل : من عمله من عذابه وظلمه وشماتته . وقال ابن عباس : الجماع . " ونجني من القوم الظالمين " قال الكلبي : أهل مصر . مقاتل : القبط . قال الحسن وابن كيسان : نجاها الله أكرم نجاة ، ورفعها إلى الجنة ، فهي فيها تأكل وتشرب .
قوله تعالى : { وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين 11 ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين } .
وهذا مثل ثان ضربه الله للمؤمنين الموقنين القانتين الثابتين على الإيمان والحق الذين لا يضربهم من خالفهم من الظالمين والطغاة . ضرب الله لذلك امرأة فرعون . هذه المرأة التقية الصابرة الفضلى التي احتملت من نكال فرعون وقهره وتعذيبه ما لا يطيقه إلا الصادقون الأبرار ، وأولئك هم أولو العزم المكين والإيمان المتوطد الراسخ الذي لا يهون ولا يضطرب .
تلك هي امرأة فرعون ، وهي آسية بنت مزاحم ، كانت زوجة لواحد من أعتى العتاة وأظلم الجبابرة في الأرض . وذلكم هو فرعون الطاغوت الشقي الأثيم ، الذي زعم – بفرط غروره وجهالته وكبريائه – أنه إله ، ثم استخف قومه من حوله فأطاعوه وعبدوه من دون الله . لكن امرأته آسية آمنت بالله وحده وصدقت بدعوة موسى عليه والسلام . فلما علم فرعون بإيمانها نكّل بها تنكيلا وعذبها أشد العذاب . فدعت ربها { رب ابن لي عندك بيتا في الجنة } ذكر أنها كانت تعذّب بالشمس فإذا آذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها .
وقيل : سمّر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى ، فأطلعها الله حتى رأت مكانها في الجنة . ومن دعائها أيضا { ونجني من فرعون وعمله } أي خلصني من كيد فرعون واكتب لي النجاة من شره وعدوانه { ونجني من القوم الظالمين } وهم القبط ، أو المشركين من قوم فرعون . سألت ربها أن يدفع عنها كفر هؤلاء الظالمين وكيدهم وفسادهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.