في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (47)

40

وقبل أن يفيقوا من تأثير ذلك المشهد المتوقع يتلقاهم بتوقع جديد ، ليس على الله ببعيد ، يريهم فيه مصارعهم - وهم الظالمون : أي المشركون - وهو يرسم مصارع الظالمين حين يباغتهم عذاب الله أو يواجههم ؛ وحين يأتيهم على غرة أو وهم مستيقظون :

( قل : أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة ، هل يهلك إلا القوم الظالمون ؟ ) . .

إن عذاب الله يأتي في أية صورة وفي أية حالة . وسواء جاءهم العذاب بغتة وهم غارون لا يتوقعونه ، أو جاءهم جهرة وهم صاحون متأهبون . فإن الهلاك سيحل بالقوم الظالمين - أي المشركين كغالبية التعبير في القرآن الكريم - وسينالهم هم دون سواهم . ولن يدفعوه عن أنفسهم سواء جاءهم بغتة أو جهرة . فهم أضعف من أن يدفعوه ولو واجهوه ! ولن يدفعه عنهم أحد ممن يتولونهم من الشركاء . فكلهم من عبيدالله الضعفاء !

وهو توقع يعرضه السياق عليهم ليتقوه ، ويتقوا أسبابه قبل أن يجيء . والله - سبحانه - يعلم أن عرض هذا التوقع في هذا المشهد يخاطب الكينونة البشرية خطابا تعرفه في قرارتها ، وتعرف ما وراءه من حقيقة ترجف لها القلوب !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (47)

{ قل أرأيتكم إن آتاكم عذاب الله بغتة } من غير مقدمة . { أو جهرة } بتقدمه أمارة تؤذن بحلوله . وقيل ليلا أو نهارا . وقرئ { بغتة أو جهرة } . { هل يهلك } أي ما يهلك به هلاك سخط وتعذيب . { إلا القوم الظالمون } ولذلك صح الاستثناء المفرغ منه ، وقرئ { يهلك } بفتح الياء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (47)

وقوله تعالى : { قل أرأيتكم } الآية ، وعيد وتهديد ، و { بغتة } معناه لا يتقدم عندكم منها علم و { جهرة } معناه : تبدو لكم مخايله ومباديه ثم تتوالى حتى تنزل ، قال الحسن بن أبي الحسن : { بغتة } ليلاً و { جهرة } نهاراً ، قال مجاهد : { بغتة } فجأة آمنين و { جهرة } وهم ينظرون ، وقرأ ابن محيصن «هل يهلك » على بناء الفعل للفاعل ، والمعنى هل تهلكون ألا أنتم لأن الظلم قد تبين في حيزكم ، و { هل } ظاهرها الاستفهام ومعناها التسوية المضمنة للنفي ولا تكون التسوية بها إلا في النفي ، وتكون بالألف في نفي وفي إيجاب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (47)

استئناف للتهديد والتوعّد وإعذار لهم بأنّ إعراضهم لا يرجع بالسوء إلاّ عليهم ولا يضرّ بغيرهم ، كقوله : { وهم يَنْهَوْن عنه ويَنْأوْن عنه وإنْ يُهْلِكُون إلاّ أنفسهم وما يشعرون } [ الأنعام : 26 ] .

والقول في { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة } الآية كالقول في نظيريْه المتقدّمين .

وجيء في هذا وفي نظيره المتقدّم بكاف الخطاب مع ضمير الخطاب دون قوله : { قل أرأيتم إنْ أخذَ الله سمْعكم وأبْصارَكم } [ الأنعام : 46 ] الآية لأنّ هذا ونظيره أبلغ في التوبيخ لأنّهما أظهر في الاستدلال على كون المشركين في مكنة قدرة الله ، فإنّ إتيان العذاب أمكن وقوعاً من سلب الأبصار والأسماع والعقول لندرة حصول ذلك ، فكان التوبيخ على إهمال الحذر من إتيان عذاب الله ، أقوى من التوبيخ على الاطمئنان من أخذ أسماعهم وأبصارهم ، فاجتلب كاف الخطاب المقصود منه التنبيه دون أعيان المخاطبين . والبغتة تقدّمت آنفاً .

والجهرة : الجَهْر ، ضدّ الخفية ، وضدّ السرّ . وقد تقدّم عنه قوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } في سورة [ البقرة : 55 ]

وقد أوقع الجهرة هنا في مقابلة البغتة وكان الظاهر أن تقابل البغتة بالنّظرة أو أن تقابل الجهرة بالخفية ، إلاّ أنّ البغتة لمّا كانت وقوع الشيء من غير شعور به كان حصولها خفيّاً فحسن مقابلته بالجهرة ، فالعذاب الذي يجيء بغتة هو الذي لا تسبقه علامة ولا إعلام به . والذي يجيء جهرة هو الذي تسبقه علامة مثل الكِسْف المحكي في قوله تعالى : { فلمّا رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض مُمطرنا } [ الأحقاف : 24 ] أو يسبقه إعلام به كما في قوله تعالى : { فعَقروها فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام } [ هود : 65 ] . فإطلاق الجهرة على سبق ما يشعر بحصول الشيء إطلاق مجازي . وليس المراد من البغتة الحاصل ليلاً ومن الجهرة الحاصل نهاراً .

والاستفهام في قوله : { هل يُهلَك } مستعمل في الإنكار فلذلك جاء بعده الاستثناء . والمعنى لا يهلك بذلك العذاب إلاّ الكافرون .

والمراد بالقوم الظالمين المخاطبون أنفُسهم فأظهر في مقام الإضمار ليتأتّى وصفهم أنّهم ظالمون ، أي مشركون ، لأنَّهم ظالمون أنفسهم وظالمون الرسول والمؤمنين .

وهذا يتضمَّن وعْداً من الله تعالى بأنه منجي المؤمنين ، ولذلك أذنَ رسوله بالهجرة من مكة مع المؤمنين لئلاّ يحلّ عليهم العذاب تكرمة لهم كما أكرم لُوطاً وأهله ، وكما أكرم نوحاً ومن آمن معه ، كما أشار إليه قوله تعالى : { وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم } [ الأنفال : 33 ] ثم قوله : { وما لهم أن لا يعذّبهم الله } [ الأنفال : 34 ] .