اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (47)

اعلم أن الدلائلَ المتقدّمة كانت مختصّة بأخذ السَّمْع والبَصَرِ والقلب ، وهذا عامٌ في جميع أنواع العذابِ ، والمعنى أنه لا دَافِعَ لنوع من أنواع العذابِ ، ولا مُحَصِّلَ لخير من الخَيْرَاتِ إلاَّ اللَّهُ تعالى ، فوجب أن يكون هو المَعْبُودَ دون غيره .

والمراد ب " البَغْتَة " العذاب الذي يأتيهم فُجَاءةً من غير سَبْقِ علامةٍ ، والمرادُ ب " الجَهْرَة " العذاب الذي يأتيهم مع سَبْقِ علامة تَدُلُّ عليه .

وقال الحَسَنُ : " بَغْتَةً " أو " جَهْرَةً " : معناه : لَيْلاً أو نهاراً{[13915]} .

قال القاضي{[13916]} : والأوَّل أوْلَى ؛ لأنه لو جاءهم ذلك العذابُ ليْلاً وقد عاينوا قُدُومَهُ لم يكن بَغْتَةً ، ولو جاءهم نَهَاراً وهم لا يَشْعُرون بقدومه لم يكن جَهْرَةً .

قوله : " هل يهلك " هذا اسْتِفْهَامٌ بمعنى النَّفْيِ ؛ ولذلك دخلت " إلاَّ " وهو استثناء مُفَرَّغٌ ، والتقديرُ : ما يُهْلَكُ إلاَّ القَوْمُ الظالمون ، وهذه الجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني ل " أرأيتكم " والأوَّلُ مَحْذُوفٌ ، وهو من التَّنَازع على رأي أبي حيَّان{[13917]} كما تقدَّم تَقْرِيرُهُ .

وقال أبو البقاء{[13918]} : الاسْتِفْهَامُ هنا بمعنى التَّقْرير ، فلذلك نَابَ عن جواب الشَّرْط ، أي : إن أتاكم هلكتم ، والظَّاهِرُ ما تقدَّم ، ويجيء هنا قول الحُوفِيّ المتقدِّم في الآية قبلها من كون الشرط حالاً .

وقرأ ابن محيصن{[13919]} : " هل يَهْلَكُ " مَبْنيَّا للفاعل .

فإن قيل : إن العذابَ إذا نزل لم يَحْصُلْ فيه التَّمْييزُ بَيْنَ المُطيعِ والعاصي . فالجوابُ أن العذاب وإن عَمَّ الأبْرَارَ والأشْرَار في الظاهر ، إلا‍َّ أن الهلاك في الحقيقة مُخْتَصٌّ بالظالمين ؛ لأن الأخْيَارَ يستوجبون [ بسبب نزول تلك ]{[13920]} المضارِّ بهم أنْوَاعاً عظيمة من الثواب والدَّرَجَاتِ الرفيعة عن الله .


[13915]:ينظر: الرازي 12/189.
[13916]:ينظر: المصدر السابق.
[13917]:ينظر: البحر المحيط 4/136.
[13918]:ينظر: الإملاء 1/243.
[13919]:ينظر: الدر المصون 3/67، إتحاف فضلاء البشر 2/12.
[13920]:سقط في أ.