الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (47)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال يعنيهم: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة}: فجأة لا تشعرون حتى ينزل بكم، {أو جهرة}، أو معاينة ترونه حين ينزل بكم القتل ببدر، {هل يهلك} بذلك العذاب، {إلا القوم الظالمون}، يعني المشركون.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان المكذّبين بأنك لي رسولي إليهم، أخبروني إن أتاكم عذاب الله وعقابه على ما تشركون به من الأوثان والأنداد، وتكذيبكم إياي بعد الذي قد عاينتم من البرهان على حقيقة قولي. "بَغْتَةً": فجأة على غرّة لا تشعرون. "أوْ جَهْرَةً": أو أتاكم عذاب الله وأنتم تعاينونه وتنظرون إليه. "هَلْ يُهْلَك إلاّ القَوْم الظّالِمُونَ": هل يهلك الله منا ومنكم إلاّ من كان يعبد غير من يستحقّ علينا العبادة وترك عبادة من يستحق علينا العبادة. وقد بينا معنى الجَهْرة في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته وأنها من الإجهار، وهو إظهار الشيء للعين.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

...معناه، والله أعلم: أنهم يعلمون أن العذاب لا يأتي، ولا يأخذ إلا الظالم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

...وقوله تعالى: {قل أرأيتكم} الآية، وعيد وتهديد، و {بغتة} معناه لا يتقدم عندكم منها علم و {جهرة} معناه: تبدو لكم مخايله ومباديه ثم تتوالى حتى تنزل، و {هل} ظاهرها الاستفهام ومعناها التسوية المضمنة للنفي ولا تكون التسوية بها إلا في النفي، وتكون بالألف في نفي وفي إيجاب.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

...اعلم أن الدليل المتقدم كان مختصا بأخذ السمع والبصر والقلب وهذا عام في جميع أنواع العذاب، والمعنى: أنه لا دافع لنوع من أنواع العذاب إلا الله سبحانه، ولا محصل لخير من الخيرات إلا الله سبحانه، فوجب أن يكون هو المعبود بجميع أنواع العبادات لا غيره. فإن قيل: فما المراد بقوله {هل يهلك إلا القوم الظالمون} مع علمكم بأن العذاب إذا نزل لم يحصل فيه التمييز. قلنا: إن الهلاك وإن عم الأبرار والأشرار في الظاهر، إلا أن الهلاك في الحقيقة مختص بالظالمين الشريرين، لأن الأخيار يستوجبون بسبب نزول تلك المضار بهم أنواعا عظيمة من الثواب والدرجات الرفيعة عند الله تعالى، فذاك وإن كان بلاء في الظاهر، إلا أنه يوجب سعادات عظيمة؟

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

هذا تهديد ثالث فالأول بأحد أمرين: العذاب والساعة، والثاني: بالأخذ والختم، والثالث: بالعذاب فقط. ولما كانت البغتة تضمنت معنى الخفية صح مقابلتها للجهرة وبدئ بها لأنها أردع من الجهرة، ولما كان التهديد شديداً جمع فيه بين أداتي الخطاب والخطاب لكفار قريش والعرب. وفي ذكر الظلم تنبيه على علة الإهلاك، والمعنى هل يهلك إلا أنتم لظلمكم؟

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الظالمين أرأيتكم أنتم أنفسكم كيف يكون شأنكم – أو أخبروني عن مصيركم – إن أتاكم عذاب الله الذي مضت سنته في الأولين، بإنزاله بأمثالكم من المكذبين المعاندين، مباغتا ومفاجئا لكم – أو إتيان مباغتة – فأخذكم على غرة لم تتقدمه إمارة تشعركم بقرب نزوله بكم، أو أتاكم ظاهرا مجاهرا – أو إتيان جهرة – بحيث ترون مباديه ومقدماته بأبصاركم. هل يهلك به إلا القوم الظالمون منكم، وهم المصرون على الشرك وأعماله عنادا وجحودا، إذا مضت سنته تعالى في مثل هذا العذاب أن ينجي منه الرسل ومن اتبعهم من المؤمنين. فكأنه قال لا يهلك به غيركم، وإنما تهلكون بظلمكم لأنفسكم وجنايتكم عليها.

وقد ظن بعض المفسرين أن هذا من العذاب الذي يكون عاما يؤخذ فيه غير الظالم بجريرة الظالم كالمصائب التي تحل بالأمم من جراء ظلمهم وفجورهم، الذي يفضي إلى ضعفهم والاعتداء على استقلالهم، أو إلى تفشي الأمراض أو المجاعات فيهم، فتكلفوا في تفسير الآية تكلفا يصححون به ظلمهم، فزعموا أن هلاك غير الظالم بهذا العذاب لا ينافي الحصر لأنه يكون عذابا في الظاهر فقط وأما في الباطن والحقيقة فهو سعادة، لما يترتب عليه من الثواب والدرجات الرفيعة، ومن أشهر هؤلاء الظانين في الآية غير الحق الرازي والطبرسي، ويدل على ما اخترناه ما ذكر من الجزاء على تكذيب الرسل في قوله تعالى:

{وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين}

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

..إن عذاب الله يأتي في أية صورة وفي أية حالة. وسواء جاءهم العذاب بغتة وهم غارون لا يتوقعونه، أو جاءهم جهرة وهم صاحون متأهبون. فإن الهلاك سيحل بالقوم الظالمين -أي المشركين كغالبية التعبير في القرآن الكريم- وسينالهم هم دون سواهم. ولن يدفعوه عن أنفسهم سواء جاءهم بغتة أو جهرة. فهم أضعف من أن يدفعوه ولو واجهوه! ولن يدفعه عنهم أحد ممن يتولونهم من الشركاء. فكلهم من عبيد الله الضعفاء!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف للتهديد والتوعّد وإعذار لهم بأنّ إعراضهم لا يرجع بالسوء إلاّ عليهم ولا يضرّ بغيرهم، كقوله: {وهم يَنْهَوْن عنه ويَنْأوْن عنه وإنْ يُهْلِكُون إلاّ أنفسهم وما يشعرون} [الأنعام: 26].

والقول في {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة} الآية كالقول في نظيريْه المتقدّمين.

وجيء في هذا وفي نظيره المتقدّم بكاف الخطاب مع ضمير الخطاب دون قوله: {قل أرأيتم إنْ أخذَ الله سمْعكم وأبْصارَكم} [الأنعام: 46] الآية لأنّ هذا ونظيره أبلغ في التوبيخ لأنّهما أظهر في الاستدلال على كون المشركين في مكنة قدرة الله، فإنّ إتيان العذاب أمكن وقوعاً من سلب الأبصار والأسماع والعقول لندرة حصول ذلك، فكان التوبيخ على إهمال الحذر من إتيان عذاب الله، أقوى من التوبيخ على الاطمئنان من أخذ أسماعهم وأبصارهم، فاجتلب كاف الخطاب المقصود منه التنبيه دون أعيان المخاطبين. والبغتة تقدّمت آنفاً.

والجهرة: الجَهْر، ضدّ الخفية، وضدّ السرّ. وقد تقدّم عنه قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} في سورة [البقرة: 55]

وقد أوقع الجهرة هنا في مقابلة البغتة وكان الظاهر أن تقابل البغتة بالنّظرة أو أن تقابل الجهرة بالخفية، إلاّ أنّ البغتة لمّا كانت وقوع الشيء من غير شعور به كان حصولها خفيّاً فحسن مقابلته بالجهرة، فالعذاب الذي يجيء بغتة هو الذي لا تسبقه علامة ولا إعلام به. والذي يجيء جهرة هو الذي تسبقه علامة مثل الكِسْف المحكي في قوله تعالى: {فلمّا رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض مُمطرنا} [الأحقاف: 24] أو يسبقه إعلام به كما في قوله تعالى: {فعَقروها فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام} [هود: 65]. فإطلاق الجهرة على سبق ما يشعر بحصول الشيء إطلاق مجازي. وليس المراد من البغتة الحاصل ليلاً ومن الجهرة الحاصل نهاراً.

والاستفهام في قوله: {هل يُهلَك} مستعمل في الإنكار فلذلك جاء بعده الاستثناء. والمعنى لا يهلك بذلك العذاب إلاّ الكافرون.

والمراد بالقوم الظالمين المخاطبون أنفُسهم فأظهر في مقام الإضمار ليتأتّى وصفهم أنّهم ظالمون، أي مشركون، لأنَّهم ظالمون أنفسهم وظالمون الرسول والمؤمنين.

وهذا يتضمَّن وعْداً من الله تعالى بأنه منجي المؤمنين، ولذلك أذنَ رسوله بالهجرة من مكة مع المؤمنين لئلاّ يحلّ عليهم العذاب تكرمة لهم كما أكرم لُوطاً وأهله، وكما أكرم نوحاً ومن آمن معه، كما أشار إليه قوله تعالى: {وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33] ثم قوله: {وما لهم أن لا يعذّبهم الله} [الأنفال: 34].