في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (274)

261

وأخيرا يختم دستور الصدقة في هذا الدرس بنص عام يشمل كل طرائق الإنفاق ، وكل أوقات الإنفاق ؛ وبحكم عام يشمل كل منفق لوجه الله :

( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار ، سرا وعلانية ، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) . .

ويبدو التناسق في هذا الختام في عموم النصوص وشمولها ، سواء في صدر الآية أم في ختامها . وكأنما هي الإيقاع الأخير الشامل القصير . .

( الذين ينفقون أموالهم ) . .

هكذا بوجه عام يشمل جميع أنواع الأموال . .

( بالليل والنهار . سرا وعلانية ) . .

لتشمل جميع الأوقات وجميع الحالات . .

( فلهم أجرهم عند ربهم ) . .

هكذا إطلاقا . من مضاعفة المال . وبركة العمر . وجزاء الآخرة . ورضوان الله .

( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) . .

لا خوف من أي مخوف ، ولا حزن من أي محزن . . في الدنيا وفي الآخرة سواء . .

إنه التناسق في ختام الدستور القويم يوحي بذلك الشمول والتعميم . .

/خ274

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (274)

{ الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية } أي يعمون الأوقات والأحوال بالخير . نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، تصدق بأربعين ألف دينار عشرة بالليل وعشرة بالنهار ، وعشرة بالسر وعشرة بالعلانية . وقيل في أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه : لم يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا ودرهم نهارا ، ودرهم سرا ودرهم علانية . وقيل : في ربط الخيل في سبيل الله والإنفاق عليها . { فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } خبر الذين ينفقون ، والفاء للسببية . وقيل للعطف والخبر محذوف أي ومنهم الذين ولذلك جوز الوقف على وعلانية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (274)

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 274 )

قال عبد الله بن عباس : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت له أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية( {[2701]} ) ، وقال ابن جريج : نزلت في رجل فعل ذلك ولم يسم علياً ولا غيره ، وقال ابن عباس أيضاً نزلت هذه الآية في علف الخيل( {[2702]} ) ، وقاله عبد الله بن بشر الغافقي وأبو ذر وأبو أمامة والأوزاعي وأبو الدرداء قالوا : هي في علف الخيل والمرتبطة في السبيل ، وقال قتادة هذه الآية في المنفقين في سبيل الله من غير تبذير ولا تقتير .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : والآية وإن كانت نزلت في علي رضي الله عنه ، فمعناها يتناول كل من فعل فعله وكل مشاء بصدقته في الظلم إلى مظنة ذي الحاجة( {[2703]} ) وأما علف الخيل والنفقة عليها فإن ألفاظ الآية تتناولها تناولاً محكماً ، وكذلك المنفق في الجهاد المباشر له إنما يجيء إنفاقه على رتب الآية . وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان المؤمنون يعملون بهذه الآية من قوله : { إن تبدوا الصدقات } [ البقرة : 271 ] إلى قوله : { ولا هم يحزنون } [ البقرة : 274 ] فلما نزلت براءة بتفصيل الزكاة قصروا عليها ، وقد تقدم القول على نفي الخوف والحزن ، والفاء في قوله : { فلهم } دخلت لما في { الذين } من الإبهام ، فهو يشبه بإبهامه الإبهام الذي في الشرط . فحسنت الفاء في جوابه كما تحسن في الشرط ، وإنما يوجد الشبه إذا كان الذي موصولاً بفعل( {[2704]} ) وإذا لم يدخل على { الذي } عامل يغير معناه ، فإن قلت : الذي أبوه زيد هو عمرو فلا تحسن الفاء في قولك فهو ، بل تلبس المعنى ، وإذا قلت ليت الذي جاءك جاءني لم يكن للفاء مدخل في المعنى ، وهذه الفاء المذكورة إنما تجيء مؤكدة للمعنى ، وقد يستغنى عنها إذا لم يقصد التأكيد كقوله بعد : { لا يقومون } .


[2701]:- رواه ابن أبي حاتم، عن ابن جبير، عن أبيه، وابن مردويه، عن ابن عباس، وابن جرير بسند ضعيف.
[2702]:- في "طبقات ابن سعد" بسنده إلى عُرَيض بالتصغير المليكي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: [الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار] الآية – من هم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (هم أصحاب الخيل)، ثم قال: (إن المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها وأبوالها وأرواثها يوم القيامة كذكي المسك) ا هـ، والمراد بالخيل المربوطة في سبيل الله والتي يقاتل عليها أعداء الله.
[2703]:- اعتباراً بقاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهي المعتمدة عند المحققين، قالوا: ويدخل في الآية الكريمة النفقة على الأهل، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في الصحيحين: (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى ما تجعل في في امرأتك).
[2704]:- نحو: «الذي يأتيني فله درهم»، دخلت الفاء لأنه استحق الدرهم بالإتيان، وكذلك الآية الكريمة دخلت الفاء لأن الأجر حصل بسبب الإنفاق في الليل والنهار والسر والجهار، وموضع الفاء هو التأكيد ولكن لا يلزم وجوده في كل تركيب.