فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (274)

وقوله : { بالليل والنهار } يفيد زيادة رغبتهم في الإنفاق ، وشدّة حرصهم عليه حتى أنهم لا يتركون ذلك ليلاً ، ولا نهاراً ، ويفعلونه سرّاً وجهراً عند أن تنزل بهم حاجة المحتاجين ، ويظهر لديهم فاقة المفتاقين في جميع الأزمنة على جميع الأحوال .

ودخول الفاء في خبر الموصول أعني قوله : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ } للدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها ، وقيل : هي للعطف ، والخبر للموصول محذوف ، أي : ومنهم الذين ينفقون .

وقد أخرج عبد بن حميد ، والنسائي ، والبزار ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، والضياء في المختارة ، عن ابن عباس ، قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين ، فنزلت هذه الآية : { ليْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } إلى قوله : { وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } فرخص لهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والضياء عنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن لا نتصدّق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية ، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير ، نحوه . وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن الحنفية ، نحوه . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : كان أناس من الأنصار لهم نسب ، وقرابة من قريظة ، والنضير ، وكان يتقون أن لا يتصدّقوا عليهم ، ويريدونهم أن يسلموا ، فنزلت : { ليْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } الآية . وأخرج ابن المنذر ، عن عمرو الهلالي قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتصدّق على فقراء أهل الكتاب ؟ فأنزل الله : { ليْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } الآية . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء الخراساني قال في قوله : { وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ الله } قال : إذا أعطيت لوجه الله ، فلا عليك ما كان عمله .

/خ274