نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (274)

ولما حض{[13143]} على النفقة فأكثر وضرب فيها الأمثال وأطنب في المقال ولم يعين لها وقتاً كان كأن سائلاً قال : في أي وقت تفعل ؟ فبين في آية جامعة لأصناف{[13144]} الأموال والأزمان والأحوال أنها حسنة في كل وقت وعلى كل حال فقال : { الذين ينفقون أموالهم } أي في الوجوه الصالحة التي تقدم التنبيه عليها وقدم من المتقابلين ما كان أقرب إلى {[13145]}الإخلاص اهتماماً{[13146]} به دلالة على فضله فقال : { بالليل }{[13147]} إن اقتضى ذلك الحال { والنهار } إن دعتهم إلى ذلك خطة{[13148]} رشد { سراً وعلانية } كذلك .

ولما كان الانتهاء عن المن والأذى في بعض الأحوال أشد ما يكون على النفس لما يرى من المنفق عليه من الغض{[13149]} ونحو ذلك فلا يكاد يسلم منه أحد{[13150]} .

ابتدأ الجزاء في آيته من غير ربط بالفاء إشارة إلى العفو عما يغلب{[13151]} النفس منه تنزيلاً له منزلة العدم ، وإيماء إلى تعظيمه بكونه ابتداء عطية من الملك ، ترغيباً في الكف عنه ، لأنه منظور إليه في الجملة ، وربط الجزاء في هذه إعلاماً بأنه مسبب عن هذه الأحوال ، لأن الأفعال أيسر من التروك{[13152]} فحصوله متوقف على حصولها ، حثاً على الإتيان بها كلها للسهولة في ذلك ، لأن من سمح بالإنفاق لله سبحانه وتعالى استوت عنده {[13153]}فيه الأوقات{[13154]} فقال : { فلهم أجرهم } وسببيته كونه علامة لحصول الأجر ، لا أنه سبب حقيقي ، إنما السبب الحقيقي رحمة الله بالتوفيق للعمل والاعتداد به ، وأعلم{[13155]} بأنه محفوظ مضاعف مربي لا يضيع أصلاً بقوله : { عند ربهم } أي{[13156]} فهو يربي نفقاتهم ويزكيها كما رباهم ، ثم ختم آي النفقات بما بدأها به من الأمن والسرور فقال : { ولا خوف عليهم } كما فرحوا بها عن غيرهم { ولا هم يحزنون * } لأنه لا ثواب أعظم من ذلك ، إذ لا عيشة لحزين ولا خائف ؛ ولشدة مشاق{[13157]} الإنفاق على الأنفس لا سيما في أول الإسلام لما كانوا فيه من الضيق أكد تعالى فيه هذا التأكيد بجملته وبينه هذا البيان الواضح حتى لم يبق{[13158]} فيه خفية وجه إلا أظهرها وحذر منها وقررها - أشار إلى ذلك الأستاذ أبو الحسن الحرالي فقال : فأفضلهم المنفق ليلاً سراً . وأنزلهم المنفق نهاراً علانية{[13159]} ؛ فهم بذلك أربعة أصناف - انتهى .


[13143]:من م ومد وظ، وفي الأًصل: خص.
[13144]:من م ومد وظ، وفي الأًصل: الأصناف.
[13145]:في م: الاهتماما.
[13146]:زيد في مد: أي.
[13147]:من مد، وفي الأصل: حطة، وفي م: حظة، وفي ظ: حظه.
[13148]:في الأصل: القص، وفي م: العض، والتصحيح من ظ ومد.
[13149]:زيد من ظ ومد.
[13150]:من م ومد وظ، وفي الأًصل: يلغب.
[13151]:في الأصل: النزول، وفي م: المتروك، والتصحيح من ظ ومد.
[13152]:من م ومد وظ، وفي الأًصل: بقية الأموال والأحوال.
[13153]:من م ومد وظ، وفي الأًصل: بقية الأموال والأحوال.
[13154]:من م ومد وظ، وفي الأًصل: سببه.
[13155]:من م ومد وظ، وفي الأًصل: علم.
[13156]:زيد من م وظ ومد.
[13157]:في الأصل: ميثاق، والتصحيح من م وظ ومد.
[13158]:في م ومد وظ: لم تبق.
[13159]:من م ومد وظ، وفي الأًصل: على نية.