الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (274)

قوله تعالى : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ } : مبتدأٌ ، وخبرُه الجملةُ من قوله " فلهم أجرُهمْ " ودَخَلَتِ الفاءُ لِما تضمَّنه الموصولُ من معنى الشرط . وقال ابنُ عطية : " وإنما يوجَدُ الشَّبَهُ - يعني بين الموصولِ واسمِ الشرط - إذا كان الموصولُ موصولاً بفعل ، وإذا لم يَدْخُلْ على الموصول عاملٌ يُغَيِّر معناه " . قال الشيخ : " فَحَصَر الشبه فيما إذا كان " الذي " موصولاً بفعل ، وهذا كلامُ غير مُحَرَّر ، أمَّا قولُه " الذي " فلا يختصُّ ذلك ب " الذي " ، بل كلُّ موصولٍ غيرِ الألفِ واللامِ حكمُه حكمُ " الذي " بلا خلافٍ ، وفي الألفِ واللامِ خلاف ، ومذهبُ سيبويه المنعُ من دخولِ الفاءِ . الثاني : قولُه " موصولاً بفعلٍ " فأَطْلَقَ الفعلَ واقتصرَ عليه ، وليس كذلك ، بل شرطُ الفعلِ أن يَصْلُحَ لمباشَرةِ أداةِ الشرط فلو قلت : " الذي سيأتيني - أو لمَّا يأتيني - أو ما يأتيني أو ليس يأتيني - فله درهمٌ لم يَجُزْ شيء من ذلك ، لأنَّ أداةَ الشرطِ لا يَصِحُّ أن تَدْخُلَ على شيءٍ من ذلك ، وأمَّا الاقتصارُ على الفعلِ فليس كذلك بل الظرفُ والجارُّ والمجرورُ في الوصلِ كذلك ، متى كان شيءٌ منهما صلةً لموصولٍ جازَ دخولُ الفاءِ . وقوله : " وإذا لم يدخُلْ على " الذي " عاملٌ يغيِّر معناه " عبارةٌ غيرُ ملخَّصة ، لأن العاملَ لا يُغَيِّر معنى الموصولِ ، إنما يغيِّرُ معنى الابتداءِ ، بأَنْ يُصَيِّره تمنياً أو تَرَجِّياً أو ظناً نحو : لعل الذي يأتيني - أو ليت الذي يأتيني ، أو ظننت الذي يأتيني - فله درهمٌ ، لا يجوزُ دخولُ الفاءِ لتغيُّرِ معنى الابتداءِ .

وكان ينبغي له أيضاً أن يقولَ : " ويُشْترط أن يكونَ الخبرُ مستحقاً بالصلةِ كالآية الكريمة ، لأنَّ ترتُّبَ الأجرِ إنما هو على الإِنفاق .

قلت : وقولُ الشيخِ أيضاً : " بل كلُّ موصولٍ " ليسَ الحكمُ أيضاً مقتصراً على كلِّ موصول ، بل كلُّ نكرةٍ موصوفة بما يجوز أن يكون صلةً مجوِّزةً لدخولِ الفاءِ أو ما أُضيف إلى تلك النكرةِ أو إلى ذلك الموصولِ أو الموصوفِ بالموصولِ حكمُه كذلك . وهذه المسألةُ قد قَدَّمْتُها متقنةً .