في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسٞۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (95)

سيحلفون باللّه لكم - إذا إنقلبتم إليهم - لتعرضوا عنهم . فأعرضوا عنهم ، إنهم رجس ، ومأواهم جهنم ، جزاء بما كانوا يكسبون . .

وهذا إنباء آخر من اللّه سبحانه لنبيه [ ص ] ، عما سيكون من أمر القوم عندما يعود إليهم هو والمؤمنون الخلص معه سالمين آمنين . وكان المنافقون قد ظنوا أنهم لا يعودون من لقاء الروم !

فقد علم اللّه وأخبر نبيه أنهم سيؤكدون معاذيرهم بالحلف باللّه ؛ لعل المسلمين يعرضون عن فعلتهم وتخلفهم عفواً وصفحاً ؛ ولا يحاسبونهم عليها ويجازونهم بها .

ثم يوجهه ربه إلى الإعراض عنهم فعلاً ، لكن لا بمعنى العفو والصفح ؛ إنما بمعنى الإهمال والإجتناب . معللاً ذلك بأنهم دنس يتجنب ويتوقى :

( فأعرضوا عنهم ، إنهم رجس ) . .

وهو التجسيم الحسي للدنس المعنوي . فهم ليسوا رجساً - أي دنساً - بأجسادهم وذواتهم ؛ إنما هم رجس بأرواحهم وأعمالهم . ولكنها الصورة المجسمة أشد بشاعة وأبين قذارة ، وأدعى إلى التقزز والإشمئزاز ، وإلى الإحتقار كذلك والإزدراء !

والقاعدون في الجماعة المكافحة - وهم قادرون على الحركة - الذين يقعد بهم إيثار السلامة عن الجهاد . . رجس ودنس . ما في ذلك شك ولا ريب . . رجس خبيث يلوث الأرواح ، ودنس قذر يؤذي المشاعر ؛ كالجثة المنتنة في وسط الأحياء تؤذي وتعدي !

( ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ) . .

وهم يحسبون أنهم يكسبون بالتخلف ؛ ويربحون بالقعود ؛ ويجنون السلامة والراحة ؛ ويحتفظون بالعافية والمال . . ولكن الحقيقة أنهم دنس في الدنيا ، وأنهم يضيعون نصيبهم في الآخرة . فهي الخسارة المطبقة بكل ألوانها وأشكالها . . ومن أصدق من اللّه حديثاً ? .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسٞۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (95)

{ سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم } فلا تعاتبوهم { فأعرضوا عنهم } ولا توبخوهم . { إنهم رجس } لا ينفع فيهم التأنيب فإن المقصود منه التطهير بالحمل على الإنابة وهؤلاء أرجاس لا تقبل التطهير فهو علة الإعراض وترك المعاتبة . { ومأواهم جهنم } من تمام التعليل وكأنه قال : إنهم أرجاس من أهل النار لا ينفع فيهم التوبيخ في الدنيا والآخرة ، أو تعليل ثان والمعنى : أن النار كفتهم عتابا فلا تتكلفوا عتابهم . { جزاء بما كانوا يكسبون } يجوز أن يكون مصدرا وأن يكون علة .